تشهد منطقة شمال إفريقيا هذه الأيام موجة حرّ غير مسبوقة، نتيجة تفاعل مناخي معقّد تقوده “قبة حرارية” متمددة من الصحراء الكبرى، مدعومة بـمنخفض صحراوي حراري، أثّرا بشكل مباشر على أجواء المغرب ودول الجوار، وسط تسجيل درجات حرارة استثنائية تخطّت المعدلات الموسمية المعتادة.
وتُعرف القبة الحرارية بأنها نظام جوي عالي الضغط يتسبب في حبس الهواء الساخن في طبقات الجو القريبة من سطح الأرض، ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل مفرط، واستمرارها لأيام طويلة دون انكسار يذكر. ويؤدي هذا النظام إلى تشكل موجات حر خانقة، خصوصًا عندما يقترن مع تأثيرات المنخفض الصحراوي الحراري الذي يُغذي الكتلة الحارة برطوبة محدودة وسحب محملة بالغبار.
حرائق، جفاف، وتحذيرات صحية
نتيجة هذا الوضع الجوي المتطرف، شهدت عدة مناطق من شمال إفريقيا – خاصة في الجزائر وتونس وجنوب المغرب – درجات حرارة تجاوزت 48 درجة مئوية، مما رفع من مخاطر اندلاع حرائق الغابات وتفاقم أزمات الجفاف والتبخر السريع للموارد المائية السطحية. كما أصدرت الجهات الصحية والبيئية في عدد من المدن المغربية تحذيرات موجهة للفئات الهشة، خاصة المسنين والأطفال، لتفادي التعرض المباشر لأشعة الشمس.
المرتفع الأصوري يتدخل من جديد
وسط هذه الأجواء القاسية، تشير آخر معطيات الأرصاد الجوية إلى عودة مرتقبة للمرتفع الأصوري في الساعات القليلة القادمة، قادمًا من شمال المحيط الأطلسي، مما يبشر بانفراج نسبي في الأوضاع الجوية داخل المملكة المغربية.
ويُعتبر المرتفع الأصوري (أو الآزوري) من أهم العوامل الجوية التي تلعب دورًا حيويًا في استقرار مناخ المغرب، حيث يساهم عند تمركزه في غرب البلاد في صدّ الكتل الهوائية الحارة القادمة من الجنوب، ويسمح بانخفاض تدريجي في درجات الحرارة خاصة على المناطق الساحلية والمرتفعات.
توقعات بتحسن نسبي
بحسب المديرية العامة للأرصاد الجوية المغربية، فإن دخول المرتفع الأصوري على الخط سيساهم في كسر حدة القبة الحرارية تدريجيًا، وعودة الرياح الشمالية الغربية الرطبة، مما سيؤدي إلى تراجع ملموس في درجات الحرارة بدءًا من المناطق الساحلية الشمالية، وامتدادًا إلى وسط البلاد خلال الأيام المقبلة.
المغرب في قلب التحولات المناخية
تأتي هذه الظواهر الجوية في سياق تصاعد تداعيات التغير المناخي العالمي، حيث أصبحت موجات الحرّ الشديدة والظواهر المناخية المتطرفة أكثر تواترًا وحدةً، ما يدفع بالمغرب وباقي دول المنطقة إلى التفكير جديًا في إجراءات التكيف والاستعداد المناخي، سواء على المستوى الحضري أو الفلاحي أو الصحي.
في المجمل، ورغم الضغوط المناخية المتزايدة، فإن المملكة تظل محظوظة بعوامل طبيعية كـ”الأصوري” تساهم بشكل دوري في تخفيف وطأة هذه الظواهر، لكن التحديات تبقى كبيرة وتتطلب يقظة من جميع الفاعلين لمواكبة تحولات مناخية لا يبدو أنها ستتوقف قريبًا.
التعاليق (0)