بقلم: ذ. منير هدوبة

لازال شمال المغرب يستيقظ كل يوم على فاجعة جديدة من فواجع ظاهرة الانتحار ولازالت قلوب العشرات من الامهات تتفطر حسرة على فلدات اكبادها كل حين حتى غدا الإنتحار من أوائل الأسباب المؤدية للموت بهذه الجهة العزيزة من مغربنا الحبيب.
وقد عرفت مدينة الشاون في السنوات الأخيرة حالات متعددة من الانتحار خصوصا في فئة الشباب وأصبحت هذه الظاهره تتصاعد أكثر فأكثر في ظل الصمت الشبه التام والتغافل الكبير من طرف المعنيين بالأمر من المؤسسات الاجتماعية و الدينية و التربوية وجمعيات المجتمع المدني وغيرها.
إن سكوت الرأي العام عن هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة يزيد من تفاقمها بشكل لافت في غياب دراسات وإحصائيات لأسباب و عوامل ودوافع هذه الظاهرة مما يزيد من صعوبة التدخل لمعالجتها.. ومنذ يومين استيقظت مدينة تطوان الحمامة البيضاء مدينة الهدوء والسكينة مدينة الجمال الطبيعي والأصالة الروحية على وقع ثالث حالة انتحار خلال أسبوع واحد، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل انتقلت إليها العدوى من جارتها الشاون أم أن الدوافع والأسباب صارت مشتركة بينهم إنه يحز في النفس أن يضيع خيرة شباب هذا البلد بمثل هذه الأسباب والطرق البشعة في وقت نحن في أمس الحاجة لطاقاتهم وابداعاتهم وفي هذا المقال سنحاول التطرق لهذه الظاهرة بشكل عام لعدم التوفر على كل معطيات التي تمكننا من الاحاطة الأسباب والدوافع الرئيسية والمؤدية إلى هذه الظاهرة الخبيثة بهذه المنطقة على أن نفرد الحديث عن ذلك إن توفر لنا دراسات تساعدنا على ذلك.
تعريفات : هو الفعل أو مجموعة من الأفعال قام بها الفرد بنفسه لقتل نفسه وقد ثم له ذلك وانتهت حياته نتيجة لتلك الأفعال (سمعان مجيد 2017)
وهو فعل مدروس لإيذاء الذات
محاولة الانتحار : ويقصد بها العملية التي يؤدي بها الفرد للمخاطرة بحياته طوعا بقصد قتل النفس والتي تنتهي بالنجاة (حلون 2008)
تصنيفات الانتحار :
1- الانتحار الهوسي : وهو انتحار لسبب خفي لا يستطيع المنتحر تقديره أو الوعي به.
2- الانتحار الوسواسي : نتيجة فكرة استحوذت على المنتحر وطالت مراودتها فتدفعه نفسه للتخلص منها عن طريق الانتحار.
3- الانتحار الاندفاعي : دون سبب وجيه تبرز فكرة الانتحار وبدون مقدمات كمشاهدة المنتحر لسكين أو مكان شاهق وفي حالة وعي تام.
طرائق الانتحار :
شنقا، القفز من مكان شاهق، تناول السموم، الحرق، الرمي بالرصاص.
دوافع الانتحار وأسبابه :
1- الأسباب البيئية والاجتماعية : إن لطبيعة البيئة أو المجتمع الذي ينشأ فيه الفرد الدور الكبير في تكوين فكرة الانتحار لديه لكثرة المشاكل العائلية أو الأسرية. كما أن الاصطدامات القبلية والعرقية والمشكلات الوالدية تتسبب بشكل كبير في هذا الأمر وتدفع المنتحر إلى الشعور بالاضطهاد والعزلة، وأيضا بعض التقاليد والعادات والثقافات التي تحد من حريته في بعض اختياراته، أو تُجرم بعض سلوكاته، وتؤثر سلبا على إحساسه وأفكاره فتدفعه إلى الانتحار كوسيلة للتخلص من المشاكل والأزمات الأسرية والمجتمعية.
2- العوامل الأسرية : اتضح لنا من خلال غالب الحالات التي عرضت علينا أن للنمط الأسري دور كبير في الاستقرار النفسي للفرد أو العكس فوجود المشاكل الأسرية كالطلاق أو العصيان أو العنف الأسري الذي قد يمارس على الأطفال من طرف أحد الوالدين أو هما معا أو حتى فشلهما في تحقيق مشاعر الحب والأمان لديهم يجعل فكرة التخلص تتضخم في نفس الطفل فتراوده بشكل كبير فكرة الانتحار حال بلوغه .
إن التنشئة الأسرية السلبية توجد لنا أطفالا بشخصيات خاضعة غير قادرة على مواجهة المشاكل الحياتية أو شخصيات متمردة وكل ذلك يعد شذوذا في التنشئة الأسرية له عواقب وخيمة في ما بعد.
3- الأسباب الاقتصادية والمادية : تنتشر حالة الانتحار في جنس الذكور أكثر منه عند الإنات لما يتعرض له الذكور من ضغوط حياتية، فهم مطالبون في مرحلة الشباب المتأخر بالتهيؤ للحياة الزوجية وهذا يتطلب منهم إيجاد عمل يساعدهم على ذلك، كما أن البالغين يحتاجون إلى مدخول مادي يؤمن لهم معيشة أسرهم وتلبية متطلباتها، كما أن بعض الأزمات المادية التي يكون سببها الأمراض المزمنة أو الإفلاس في تجارة أو تعاطي القِمار وأسباب أخرى متعددة قد تدفع الفرد إلى التذكير في الانتحار في محاولة للهروب من الواقع الذي يسيطر عليه.
4- الأسباب النفسية : يتعرض الفرد خلال حياته اليومية إلى مجموعة من الضغوط النفسية تتدخل فيها أحداث كثيرة منها ما هو عاطفي كالصدمات العاطفية مثل فشل الفرد في علاقة غرامية أو مشروع زواج، أو فقدان عزيز، ومنها ما هو اللاتكييفي كعدم تقبل بعض المواقف الشخصية أو عدم التوافق النفسي مع المتغيرات الحياتية بسبب نظرة الفرد السلبية لها.
إن الديناميات والدوافع الشخصية تكون الحاكم الأساس على نظرته للحياة وقد تسوق بعض الانفعالات أو الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب والوسواس القهري أو الخوف من بعض المواقف المجتمعية ولا شك أن الشعور بالعزلة وعدم وجود محيط متناغم يهتم بمشاكل وحاجيات الفرد وإشباع رغباته يساهم بشكل كبير في ظهور هذه الاضطرابات النفسية، وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص والتطور التكنولوجي بشكل عام في ظهور مجموعة من هذه الأعراض وغيرها كالانسحاب والعنف المدرسي والعنف المجتمعي والإرهاب المجتمعي والحقد والكراهية للمحيط الأسري كل ذلك ساهم بحد كبير إلى أن يفكر الفرد في الانتحار تخلصا منها.
5- الأسباب البيولوجية : إن الآثار النفسية لمرحلة المراهقة المتأخرة وما يصاحبها من اضطرابات فيزيولوجية تتعلق بالتغيرات الهرمونية له علاقة بتفكير الفرد بالانتحار، إن فترة النمو تلك تعرف تقلبات مزاجية مهمة واضطرابات عصبية حادة أحيانا نتيجة إحساس الفرد البالغ بالإغتراب داخل محيطه وبالتالي فهذه التغييرات المزاجية التي أساسها بعض التفاعلات الهرمونية أو نقص في السيروتونين، تؤثر بشكل كبير في تفكير الفرد وفي ردود أفعاله اتجاه المواقف التي يصادفها خصوصا المواقف العاطفية، فيكون ساعتها أكثر حساسية اتجاه مواقف الحب والكره، إضافة إلى مشاكل الهوية الشخصية له في إطار انتقاله من مرحلة إلى أخرى.
6- العوامل الدينية : إن عدم ارتباط الفرد بايديولوجية معينة أو خلفية دينية محددة قد يساهم إلى حد كبير في إحساس الفرد، يفقد الهوية والتيه الروحي والفكر وبالتالي عدم وجود ملجأ أصلي يحتمي به الفرد من كل المشاكل الحياتية أو يصطبر عليها بتعاليمه، إن التشريعات السماوية المقدمة تجعل الفرد ينقاد لها ويتبعها بكل ما فيها من جزر وتجريم للانتحار، وأيضا سيجد فيها الأمن والاستقرار الروحي والإشباع الذاتي النفسي فتنجلي له الحكم الربانية من وجود الشدائد والأزمات في هذه الحياة فيصبح أكثر وعيا بضرورة تقبلها والتعامل معها تبعا للتشريعات الدينية والسير على النهج الإلهي بعيدا عن الوساوس الشيطانية والهوى النفسي وبالتالي تنمحي فكرة الانتحار لديه، بعكس الغير المرتبط بدينه فهو بجهله لما سبق أكثر عرضة للانتحار.
إن الانتحار أحد المظاهر العدوانية اتجاه النفس التي لا تحدد أسبابها في ما أسلفنا ذكره بل قد تجتمع كاملة كأسباب متعددة في شخصية واحدة، أو تتفرق فيها ، ونود أن نشير في هذا المقام إلى أن الفئة المعرضة لهذه الظاهرة هي فئة الشباب بحكم أنهما الفئة الأقل خبرة في الحياة والأكثر عرضة لكل ما سبق ذكره من اضطرابات نفسية وحياتية واجتماعية واقتصادية ودينية، كما أنهم الأكثر عرضة للانتقاد وتغلب عليهم نظرتهم للحياة بسلبية وكذا تقلباتهم العاطفية وكل هذا زيادة على الضغوط الدراسية، كل تلكم أسباب مساهمة في ظهور فكرة الانتحار لديهم.
قد رصدت الدراسات التي انصبت في معرفة الأسباب المتعلقة بالانتحار أسبابا كثيرة تختلف باختلاف المجتمعات والبيئات والثقافات، كما أن هناك الإدمان وبعض الأمراض العقلية والعضوية المدعات لليأس وفقدان الأمان والشعور بالتعاسة.
إن إقدام الفرد على الانتحار وقتل نفسه تحت طائلة أي سبب يعد اتلافا طوعيا للنفس مع الجسد وهذا الأمر هو أبشع صورة في العلاقة القائمة بين الروح والجسد وهو بمثابة اعتراض الفرد على قدر الله والأبشع من ذلك بعض الطرق التي يستعملها المنتحر في عملية الانتحار كحرق نفسه أو التردي من أماكن عالية أو الشنق أو تناول بعض السموم وغيرها من الطرق العنيفة.
إن مشكل الانتحار يكلف المجتمعات خسارات كبيرة على مستوى الطاقات البشرية والفكرية وكذا على المستوى المادي وإن التصدي له أو إيجاد حلول ناجعة للحد منه يقتضي تكاثف الجهود ولسنا هنا بصدد إعطاء حلول سحرية لذلك بقدر ما أردنا وضع اليد على بعض الأسباب الداعية للانتحار والإحاطة بها استثارة للضمير المجتمعي والمؤسسي للقيام بدوره اتجاه هذا المشكل……

 مدير الأكاديمية الدولية للتدريب والاستشارات النفسية والأسرية.

المقالات الأكثر قراءة

اترك تعليقاً