الجزائر تنفق المليارات خارج حدودها.. واحتياجات مواطنيها بلا مجيب!

علم الجزائر مختارات علم الجزائر

تبدو الحكمة القديمة “حين يحضر المال يغيب العقل” وكأنها وُضعت خصيصًا لتصف الواقع السياسي والاقتصادي الراهن في الجزائر، البلد الذي يطفو على بحار من النفط والغاز، ويسدد ديونه الخارجية بالكامل، ومع ذلك يعاني مواطنوه من أزمات متراكمة في المعيشة والخدمات الأساسية.

ثروات هائلة.. وواقع مأزوم

في الوقت الذي كان يُفترض أن تنعكس هذه الثروات الضخمة على رفاهية الشعب الجزائري، اختارت الحكومة مسارًا مختلفًا، يتمثل في توجيه المليارات نحو الخارج، في مشهد يثير الاستغراب والجدل، خاصة مع تصاعد الأوضاع الاجتماعية الصعبة داخل البلاد.

فقد أعلن الرئيس عبد المجيد تبون، يوم الثلاثاء، في رسالة شخصية، عن تخصيص مليار دولار إضافية لدعم دول منطقة الساحل، عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي. خطوة وُصفت من قبل العديد من المتابعين بأنها “كرم في غير محله”، في ظل أزمات داخلية متفاقمة في السكن، والصحة، والتعليم، ومحدودية المياه في مناطق كثيرة من الجزائر.

“الكرم الخارجي” يغضب الداخل

وفي سياق تبرير هذه المبادرة، صرّح رئيس الوزراء نذير العرباوي، خلال مشاركته في المؤتمر الرابع لتمويل التنمية المنعقد في إشبيلية، بأن الجزائر تعمل، من خلال وكالتها الدولية، على تمويل مشاريع تنموية تشمل البنية التحتية، والطاقة، والتعليم، والصحة في عدة دول إفريقية، وبتمويل جزائري صافٍ بقيمة مليار دولار.

هذه التصريحات لم تمر مرور الكرام في الداخل الجزائري، إذ تساءل كثيرون عن جدوى هذا “الكرم الدبلوماسي” في الوقت الذي يعاني فيه آلاف المواطنين من نقص المياه، وغياب مراكز معالجة الإدمان، وارتفاع نسب البطالة، وفشل الدولة في تلبية حاجات أساسية مثل السكن والتعليم.

مشاريع خارجية.. ومواطنون ينتظرون

منذ إنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي سنة 2020، أنفقت الجزائر عشرات الملايين من الدولارات في دول مثل مالي والنيجر، في إطار تمويل مشاريع إنسانية وتنموية، من بينها بناء مستشفيات، حفر آبار مياه، وتشييد مراكز تعليم وتكوين مهني. المفارقة الصادمة أن مثل هذه المشاريع هي من صميم ما يطالب به المواطن الجزائري منذ سنوات، دون أن يجد من يستجيب لمطالبه أو يخصص له جزءًا من هذه الميزانيات السخية.

عندما تصبح المعاناة محلية والدعم خارجي

في أوساط الشارع الجزائري، أصبح البعض يتندر على هذه المفارقة، قائلين إن الطريقة الوحيدة التي قد تُمكّنهم من الاستفادة من هذه المشاريع هي “الهجرة إلى مالي أو النيجر”، وربما الحصول على جنسية إحدى تلك الدول، لعلّهم يحظون بمستشفى أو مدرسة أو حتى مياه شرب صالحة، في بلد تستثمر حكومته في رفاهية غيره، بينما يتجرّع أبناؤه مرارة التهميش والفقر.

سؤال يفرض نفسه: أين أولويات الدولة؟

هذا التوجه الرسمي الجزائري يفتح باب التساؤلات حول أولويات الدولة، وجدوى صرف المليارات خارج الحدود، في وقت يحتاج فيه الداخل إلى إصلاحات عميقة واستثمارات عاجلة. وهل يُعقل أن تُنفق حكومة بلد نفطي بهذا الحجم على مشاريع خارجية، بينما تبقى غالبية مواطنيه محرومين من أبسط شروط العيش الكريم؟

في ظل هذه المعادلة المختلة، يبدو أن “الوفرة المالية” لا تعني بالضرورة “العدالة في التوزيع”، وأن الشعارات السياسية لم تعد تُقنع مواطنًا يشرب من صنبور مقطوع، أو ينام في بيت من صفيح، بينما حكومته تموّل البنى التحتية لدول الجوار.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً