أنا الخبر ـ متابعة 

لم تكن رسالة التهنئة من الرئيس الأمريكي «جو بادين» إلى جلالة الملك محمد السادس، لتُقْرأ -فقط- من زاويتها البروتوكولية المألوفة في العلاقات الدولية ، بل أن مقدماتها الديبلوماسية ، سواء في استعادة لحظات مشرقة من التاريخ المشترك، كما هو الأمر عند الإحالة على قرنين وثلاثة عقود من العلاقات، أو عند استعادة معاهدات السلام والصداقة بين البلدين، هي مقدمات تقودنا إلى الحاضر الآن، وسياقاته المعلنة.

لقد ختم الرئيس الأمريكي رسالته بعبارة بليغة، تعد بحد ذاتها موقفا سياسيا وبرنامجا للتعاون في سياق يتجاوز المعادلات الثنائية، وأناقة المودات المناسباتية.

فقد تحدث الرئيس الأمريكي، عن الـ «اهتمام المشترك بالسلام والأمن والاستقرار في شمال إفريقيا» والذي مّنْ مقومات وجوده أنه «يرسي أساسا متينا لاستمرار التعاون والالتزام»..

وما من شك أن هذا الحرص، بمناسبة احتفال المملكة بالذكرى الـ 66 لعيد الاستقلال من طرف أقوى دولة في العالم يكتسب معناه من خلال مجريات ما بعد قرار مجلس الأمن 2602، وفي مناخ يراد له أن يشكل تهديدا للسلام والأمن والاستقرار في شمال أفريقيا..

وبالعودة إلى القرار أعلاه، والذي صاغته أمريكا وتفاوضت عليه مع دول مجلس الأمن نسجل أنه ثَبَّت ثلاثة معطيات مركزية في المنطقة:

ـ أولا: تكريس الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، وهوما سعت إلى تفكيكه العديد من القوى السياسة ومنها الجزائر.

ـ ثانيا: تكريس أسلوب الموائد المستديرة كأسلوب وحيد للوصول إلى حل سياسي سلمي متوافق عليه، يُجَنب شمال أفريقيا أي نزوع حربي مدمر.

وليس صدفة أن تكون كلمات «السلام والأمن الاستقرار» هي صلب الرسالة الأمريكية إلى أطراف عديدة في المنطقة..

-ثالثا: تكريس الطابع الإقليمي، أي الشمال -الافريقي للنزاع المفتعل واخراجه من ثنائية عقيمة لم يعد أحد يصدقها، وصارت دولة الجزائر، الضيف الرابع في الموائد المستديرة وليس عراب الطرف الظاهر من النزاع..

والواضح أن القرار الأممي ومضمون الرسالة، يوجدان على طرفي نقيض من مساعي الطرف الخصم الذي ثَبَّت على نفسه أربعة مواقف مناهضة لمضمون الرسالة:

ـ الإعلان الرسمي للخروج من اتفاق وقف اطلاق النار الساري المفعول منذ ١٩٩١

ـ الإعلان الرسمي للخروج من منطق الموائد السلمية المستديرة والنزوع إلى التلويح بالحرب

ـ الاحتضان الرسمي لمن يعلنون الحرب اليومية وبلاغاتها ويدقون طبولها

ـ الافتعال الرسمي لعمليات وحوادث حربية بمواكب القتلى والجثت والتصعيد المرافق لكل ذلك..

ومن المجدي هنا، أن نشير إلى أن تعريف النزاع المفتعل، باعتباره «نزاعا إقليميا»، في شمال افريقيا من لدن مجلس الأمن، يعطي المعنى الكامل لحرص الولايات المتحدة على السلام والأمن والاستقرار فيه.

ذلك لأن هناك قوةً عدوانية تريد استمراره بدون إعطائه معناه الحقيقي، لكي تقيم المبررات لاستمرار هذا التوتر، في حين تسعى قوى عديدة داخل الأمم المتحدة نحو اقراره نزاعا إقليميا مفتعلا لكي يستقيم الحوار بين الاطراف الحقيقية فيه، من أجل الوصول الى الحل..

و بمعنى آخر فإن القوة التي ترفض أن تشارك في الحل من خلال الموائد المستديرة هي التي تريد من هذا النزاع أن يكون بوابة للحرب والتوتر…

وقبل الختام لابد من القول إن كلمة «التزام» لم تكن فائضا لغويا تقتضيه التقاليد الديبلوماسية، بل هو تجديد تعاهد للعمل معا بانسجام- جيواسراتيجي.. ولا شك أن الطرف القابع في ثكنات العزلة سيعرف تفكيك الشيفرة، وإن كان سيتبعها بالتصعيد اليومي، وحالة الهيجان والشحن الجنوني للمنطقة..

وهذه-لعمري- حكاية تهم الطب النفسي أكثر مما تهم العلوم الحربية والجيواسراتيجية…! (المصدر: محمد العربي الشلح عن برلمان.كوم)

المقالات الأكثر قراءة

التعليقات مغلقة.