شهد اجتماع وزراء خارجية مجموعة “بريكس” الأخير في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية انقساماً لافتاً بين الدول الأعضاء، بعد اعتراض كل من مصر وإثيوبيا على إصدار بيان مشترك يدعم منح جنوب إفريقيا مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي. هذا الخلاف المفاجئ أعاد إلى الواجهة إشكالية تمثيل القارة الإفريقية في أهم هيئة أممية، وكشف عن تباينات عميقة في الرؤى بين دول الجنوب العالمي، حتى داخل المجموعة نفسها.
اعتراض صريح على “المعاملة التفضيلية”
جاء الاعتراض المصري والإثيوبي في سياق ما وصفه الجانبان بـ”المعاملة التفضيلية” التي تحظى بها جنوب إفريقيا، معتبرين أن دعم ترشيحها دون غيرها من الدول الإفريقية يتنافى مع مبادئ العدالة والإنصاف في التمثيل القاري. ورغم أن المجموعة كانت تتجه نحو تضمين إعلان ختامي يدعم هذا التوجه، فإن الموقف المصري والإثيوبي حال دون ذلك.
ويستند هذا الاعتراض إلى موقف إفريقي جماعي معروف باسم “إجماع إزولويني”، الذي يدعو إلى تخصيص مقعدين دائمين للقارة الإفريقية في مجلس الأمن، على أن يتم اختيار ممثلي القارة بطريقة شفافة وتوافقية تشمل كافة الدول الإفريقية، وليس عبر محاباة دولة على حساب أخرى.
مخاوف من إضعاف الموقف الإفريقي الجماعي
أكدت مصر وإثيوبيا، وفق مصادر دبلوماسية حضرت الاجتماع، أن تضمين أي إشارة تُفهم على أنها دعم حصري لجنوب إفريقيا من شأنه إضعاف الموقف الإفريقي الموحد في مفاوضات إصلاح مجلس الأمن، ويفتح الباب أمام مزيد من الانقسامات داخل القارة، التي تسعى منذ سنوات لتعزيز مكانتها في النظام الدولي.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الدولتين طالبتا بضرورة احترام المبادئ التي تم الاتفاق عليها داخل الاتحاد الإفريقي، وتفادي ما من شأنه أن يُحدث خللاً في توازن المصالح داخل المجموعة الموسعة، لا سيما بعد انضمام أعضاء أفارقة جدد إلى “بريكس”.
انعكاسات الانقسام على وحدة الموقف الإفريقي
الخلاف الحاصل بين ثلاث من الدول الإفريقية الكبرى المنضوية تحت لواء “بريكس” يطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة القارة الإفريقية على التحدث بصوت موحد في المحافل الدولية، خصوصاً في القضايا الاستراتيجية مثل إصلاح مجلس الأمن، الذي لا يزال يمثل أحد أبرز مطالب الجنوب العالمي.
ويرى مراقبون أن الانقسام بين مصر وإثيوبيا من جهة، وجنوب إفريقيا من جهة أخرى، يعكس تباينات جوهرية في الرؤى والمصالح، سواء داخل القارة أو ضمن مجموعة “بريكس” التي باتت أكثر تنوعاً وتعقيداً بعد توسعها الأخير.
عقبات أمام الحلم الإفريقي بالتمثيل الدائم
تسعى القارة الإفريقية منذ سنوات إلى تعزيز حضورها في مجلس الأمن عبر مقاعد دائمة تُمثل تطلعاتها ومصالحها، غير أن الخلافات الداخلية بين دولها الكبرى باتت تشكل واحدة من أبرز العقبات أمام تحقيق هذا الهدف.
وفي ظل هذه التباينات، يتزايد القلق من أن تفقد إفريقيا فرصة ثمينة لفرض مطالبها في ملف إصلاح مجلس الأمن، خاصة مع تنامي الدعوات الدولية لإعادة النظر في تركيبة المجلس وجعله أكثر تمثيلاً للواقع الجيوسياسي العالمي.
في الختام: “بريكس” على مفترق طرق
الخلاف الأخير داخل “بريكس” ليس مجرد تفصيل دبلوماسي، بل مؤشر على تحديات كبرى تواجه المجموعة التي تسعى إلى بناء نظام عالمي أكثر توازناً. كما أنه يعكس حجم الصعوبات التي تعترض مساعي الدول الإفريقية لتوحيد مواقفها في الملفات الكبرى، في وقت تشتد فيه المنافسة على مواقع التأثير داخل المنظومة الأممية.
في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تنجح إفريقيا في تجاوز انقساماتها الداخلية لتفرض نفسها كقوة موحدة على الساحة الدولية، أم أن تباين المصالح سيُجهض مشروعها الطموح؟
التعاليق (0)