انتقادات متصاعدة داخل الإعلام الجنوب أفريقي
في تطور لافت يعكس تحولات في الرأي العام المحلي، شنّت وسائل الإعلام الجنوب أفريقية مؤخراً حملة انتقادات حادة ضد موقف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، بسبب استمرار دعمه لجبهة البوليساريو واحتضان عناصرها على أراضي البلاد. وركّزت هذه الانتقادات على الأبعاد السلبية لهذه العلاقة، خاصة من الناحية الأمنية والاقتصادية، مشيرة إلى استفادة الجبهة من التبرعات الشعبية في جنوب أفريقيا لأغراض عسكرية.
اتهامات بالتمويل غير المشروع وتحويل المساعدات إلى أسلحة
كشفت تقارير إعلامية عن شبهات تحيط بالتمويلات التي تتلقاها البوليساريو داخل جنوب أفريقيا. وبحسب هذه المصادر، فإن التبرعات التي يُفترض أن تذهب لأغراض إنسانية، تُستغل في شراء الأسلحة وتمويل العمليات العسكرية للجبهة. كما تُستخدم أيضاً، في دفع أجور المقاتلين داخل مخيمات تندوف التي تحاصر آلاف اللاجئين، إضافة إلى تنفيذ عمليات مسلحة في المنطقة العازلة على الحدود المغربية. هذه الاتهامات أثارت قلقاً متزايداً لدى فئات واسعة من الجنوب أفريقيين، معتبرين أن الدعم الممنوح للجبهة قد يكون متناقضاً مع المبادئ التي تأسست عليها الدولة الحديثة بعد نهاية نظام الفصل العنصري.
تناقض صارخ مع المواقف الدولية والدعوات الأممية للسلام
أشارت تقارير الإعلام المحلي إلى التناقض الكبير بين دعم جنوب أفريقيا المتواصل للبوليساريو، ومواقف المجتمع الدولي التي تميل إلى دعم جهود السلام والاستقرار في القارة. في الوقت الذي تُصنّف فيه الجبهة في عدة تقارير دولية كجماعة مسلحة تهدد الأمن الإقليمي، وتشتبه في تورطها في أنشطة إرهابية، تواصل حكومة بريتوريا تقديم دعم سياسي وميداني لكيان يتعارض مع التوجهات الأممية الداعية لحل سلمي للنزاع في الصحراء المغربية.
وبحسب متابعين، فإن موقف جنوب أفريقيا يتعارض أيضاً مع علاقات تاريخية جمعتها بالمغرب، الذي كان من بين أوائل الداعمين لنيلسون مانديلا في مرحلة النضال ضد الأبارتايد. ويشير مراقبون إلى أن هذا التناقض يضع الدولة في موقع لا تُحسد عليه على الصعيدين الأخلاقي والدبلوماسي.
جنوب أفريقيا بين التزاماتها القارية ودعمها لجماعة مسلحة
تعرضت حكومة جنوب أفريقيا لانتقادات متزايدة بسبب ما يُنظر إليه كازدواجية في مواقفها الإقليمية. فبينما تسعى إلى لعب دور ريادي في تعزيز السلام والأمن في إفريقيا، تقف في الوقت ذاته إلى جانب جبهة متورطة في أنشطة مشبوهة، منها تهريب المساعدات الإنسانية واستخدامها لأغراض عسكرية.
ويشير بعض المحللين الجنوب أفريقيين إلى أن دعم البوليساريو يُضعف مصداقية جنوب أفريقيا كوسيط نزيه في الأزمات الإفريقية، ويقوّض مكانتها في المحافل الدولية. كما يتساءلون عن مدى ملاءمة هذا الدعم لمصالح جنوب أفريقيا الاستراتيجية، لا سيما في ظل تزايد التوترات الإقليمية والتحديات الاقتصادية الداخلية.
تنامي الأصوات الداعية إلى مراجعة الموقف الرسمي
في ظل تصاعد الجدل، بدأ العديد من السياسيين والمحللين والإعلاميين في جنوب أفريقيا بالدعوة إلى مراجعة شاملة للسياسة الخارجية تجاه قضية الصحراء المغربية. وأكدت وسائل الإعلام المحلية أن الاستمرار في دعم البوليساريو لا يصب في مصلحة البلاد، بل يضرّ بعلاقاتها الدولية ويضعها في مواجهة محتملة مع شركاء اقتصاديين واستراتيجيين.
كما حذر مراقبون من أن تعنّت حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في هذا الملف قد يؤدي إلى زيادة الضغوط الخارجية، لا سيما من الدول التي ترى في البوليساريو تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية وإفريقية.
بين التزامات السلام والمجاملات السياسية: اختبار لسياسة بريتوريا
تُعدّ الأزمة الحالية اختباراً حقيقياً لمصداقية السياسة الخارجية الجنوب أفريقية. فبينما تتغنّى بريتوريا بدورها كمدافع عن السلم والاستقرار في القارة، يتوجب عليها الآن إثبات ذلك من خلال مواقف عملية منسجمة مع المعايير الدولية.
في خضم هذه التحولات، تبدو العلاقة مع البوليساريو الانفصالية أكثر من مجرد موقف سياسي؛ إنها معضلة دبلوماسية وأخلاقية قد تعيد رسم تموضع جنوب أفريقيا على خارطة التفاعلات الإقليمية والدولية. وفيما تتزايد الأصوات الداعية للتراجع عن هذا الدعم، يبقى مستقبل العلاقة بين الطرفين مرهوناً بقدرة القيادة الجنوب أفريقية على التوازن بين مبادئها المُعلنة وواقعها الجيوسياسي المتغير.
التعاليق (0)