لم يعد رهان المغرب في تنظيم كأس إفريقيا محصوراً في حدود المستطيل الأخضر، بل أضحى الحدث في جوهره إعلاناً صريحاً عن ميلاد “إفريقيا جديدة” بمعايير دولية، يقود قاطرتها المغرب برؤية تتجاوز منطق الهواية إلى احترافية شاملة تليق بحجم التطلعات الوطنية.
بعد قرابة أربعين سنة من نسخة 1988، يعود العرس الإفريقي إلى المملكة في سياق جيوسياسي ورياضي مختلف تماماً. فالمغرب اليوم لا يقدم ملاعب فحسب، بل يطرح نموذجاً متطوراً في “الدبلوماسية الرياضية”، محولاً البطولة إلى محرك اقتصادي جبار. فخلف الشغف الكروي، تتحرك آلة استثمارية ضخمة تتوقع ضخ ما يقارب عشرة مليارات درهم في شريان الاقتصاد الوطني، مدفوعة بتدفق بشري هائل قد يصل إلى مليون زائر، مما سينعش قطاعات الفندقة، المطاعم، والمواصلات في المدن الست المستضيفة، ويحول “الكان” من مجرد مسابقة كروية إلى موسم رواج تجاري استثنائي.
إن القيمة المضافة لهذه النسخة تكمن في قدرة المغرب على استقطاب جماهير قارة يتجاوز تعداد سكان دولها المشاركة مليار نسمة. ومع انخراط مشجعين من قوى اقتصادية قارية ودول ذات قدرة شرائية مرتفعة، يتحول السائح الإفريقي إلى فاعل أساسي في نجاح الدورة؛ إذ تشير مؤشرات الحجز الأولي وبيع مليون تذكرة إلى أن المملكة ستشهد طفرة في “سياحة الملاعب” لم يسبق لها مثيل، خاصة خلال دور المجموعات الذي يمثل ذروة الإنفاق والاستهلاك السياحي.
هذا الزخم البشري والمالي ليس وليد الصدفة، بل هو ثمرة استثمارات كبرى في البنية التحتية والخدمات اللوجستية، تجعل من المغرب اليوم مركز ثقل كروي ورقماً صعباً في المعادلة العالمية. إن اختيار تسعة ملاعب بمواصفات عالمية، مع بنية تحتية أمنية وتكنولوجية متطورة، يعكس الرغبة في جعل هذه النسخة “تجريباً حقيقياً” ومحاكاة دقيقة لما سيكون عليه الوضع في مونديال 2030.
إن “كأس إفريقيا 2025” هي قصة نجاح مغربية تُكتب فصولها بمداد من الطموح؛ هي رسالة للعالم بأن القارة السمراء، انطلاقاً من المغرب، باتت تملك المفاتيح التنظيمية والمالية لمضاهاة كبريات المحافل الدولية. نحن أمام تمرين شامل في السيادة والريادة، يثبت أن المغرب لا ينظم بطولة لتمضية الوقت، بل يضع حجر الزاوية لمستقبل مشرق، مؤكداً أن المملكة باتت فعلياً عاصمة الكرة والمال والأعمال في القارة الإفريقية.

التعاليق (0)