في جمعة مغربية استثنائية من عمر كأس أفريقيا 2025، لم تكن الأضواء مسلطة على المستطيل الأخضر بقدر ما سُرقت نحو المشاعر الإنسانية التي سبقت صافرة البداية. في مدينتين مغربيتين عريقتين، رُسم مشهدان متناقضان تماماً، وضعا منتخبا تونس والجزائر في مواجهة مباشرة مع قيم التواضع والذكاء الاجتماعي.
في العاصمة الروحية فاس، قدم المنتخب التونسي درساً في البساطة حين قرر الخروج من أسوار الفندق والتوجه إلى “مسجد التاجموعتي” العريق. لم يبحث “نسور قرطاج” عن صلاة “VIP” خلف الأبواب المغلقة، بل اختاروا السجود بجانب المصلين المغاربة، لتنفجر حفاوة مغربية تلقائية لم يكن ليصنعها أكبر مخطط تسويقي. صورة حضارية بامتياز، أكدت أن الاحترام يُكتسب بالالتحام بالناس، لا بالترفع عنهم.
وعلى النقيض تماماً، وفي قلب العاصمة الرباط، اختار المنتخب الجزائري مساراً أثار الكثير من علامات الاستفهام. فبدلاً من التوجه إلى “مسجد السنة” التاريخي الذي يجسد أصالة العاصمة، فضلت البعثة البقاء داخل الفندق وطلب حضور الإمام لأداء الصلاة بعيداً عن الأعين.
هذا القرار الذي فضل “العزلة” على “القرب”، وضع “محاربي الصحراء” في برج عاجي، فبينما كانت الفرصة مواتية لترسيخ قيم الإخاء، فضل الفريق الركون إلى بروتوكولات جافة تقتل روح الرياضة وجوهر القرب من الشعوب.
إن الفرق بين المشهدين أعمق من مجرد “مكان صلاة”؛ هو فرق بين عقلية تدرك أن التواضع هو أقصر طريق لقلوب الجماهير، وعقلية ترى في العزلة نوعاً من الكبرياء الزائف. ففي بطولة تُقام على أرض المغرب الذي يفتح قلبه قبل أبوابه للجميع، يبدو أن تونس كسبت “رهان القلوب” مبكراً، بينما سقط الخيار الجزائري في فخ الجدل الذي لا يورث إلا التباعد
في النهاية، النتائج الرياضية قد تمحوها الأيام، لكن ذاكرة الشعوب لا تنسى أبداً من سار بينهم بتواضع، ومن اختار البقاء خلف الأبواب الموصدة. فالتاريخ يكتب بالمواقف أولاً.. والباقي مجرد تفاصيل.

التعاليق (0)