احتجاجات غير مسبوقة تهز جزر الكناري وتهدد صورة إسبانيا كوجهة مفضلة
تشهد إسبانيا، وتحديداً جزر الكناري، حالة من الغليان الشعبي غير المسبوق ضد ما يُعرف بـ”السياحة الجماعية”، في وقت تتعالى فيه الأصوات المطالبة بإعادة النظر في النموذج السياحي المعتمد، الذي يُتهم بالتسبب في اختلالات اجتماعية واقتصادية عميقة. هذه التطورات لم تبقَ حبيسة الجزر بل بدأت ترخي بظلالها على مؤشرات القطاع برمته، في وقت تستعد فيه وجهات سياحية منافسة، مثل المغرب وتونس وتركيا، للاستفادة من هذا الارتباك وتحويل مسارات السياح نحو أسواقها.
“السياحة الجماعية” في مرمى الانتقادات الشعبية
في الأحد الماضي، شهدت جزر الكناري احتجاجات شعبية واسعة النطاق، شارك فيها الآلاف، تعبيراً عن رفضهم لما وصفوه بـ”الاحتلال السياحي” الذي أدى إلى تفاقم أزمة السكن، وارتفاع كلفة المعيشة، وتدهور جودة الحياة بالنسبة للسكان المحليين. ووصفت صحيفة ديلي ميل البريطانية هذه التظاهرات بأنها “تهز عرش السياحة الإسبانية”، لما لها من وقع قوي على صورة الجزر كمقصد سياحي آمن وجذاب.
تراجع الحجوزات البريطانية: ناقوس خطر
في تصريح لافت، كشف سانتياغو سيسي، رئيس غرفة تجارة تينيريفي بإسبانيا، عن انخفاض بنسبة 8% في حجوزات السياح البريطانيين لصيف 2025، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهو تراجع يربطه مراقبون بتصاعد الاحتجاجات وفقدان الجزر لجاذبيتها في ظل التوتر الاجتماعي.
في المقابل، تشهد دول أخرى منافسة مثل المغرب ومصر وتركيا واليونان، نمواً ملحوظاً في معدلات الحجوزات، ما يعكس تحوّل بوصلة السياح الأوروبيين نحو وجهات أكثر استقراراً وأقل جدلاً.
المغرب يقتنص الفرصة ويعزز موقعه كوجهة بديلة
في ظل الأزمة المتصاعدة بجزر الكناري، يبرز المغرب كأحد أبرز المستفيدين من التحولات الجارية في السوق السياحية الأوروبية، وخصوصاً البريطانية. فقد نشرت صحيفة ميرور البريطانية تعليقات عديدة لقرّاء أبدوا استعدادهم لمقاطعة جزر إسبانيا، مفضلين التوجه إلى وجهات بديلة أكثر استقراراً مثل المغرب.
علق أحدهم قائلاً: “لا سياحة، لا حياة”، في إشارة إلى التأثير الاقتصادي الخطير الذي قد تخلّفه هذه الاحتجاجات، فيما اعتبر آخر أن “المغرب بات خياراً منطقياً بفضل استقراره وتنوع عروضه السياحية”.
17.9 مليون سائح على المحك
عام 2024، استقبلت جزر الكناري ما يقارب 17.9 مليون زائر، من بينهم 15.5 مليون سائح دولي، وهو رقم قياسي يمثل زيادة بنسبة 10% عن العام السابق. لكن هذه الأرقام، التي كانت تُعد مؤشراً على انتعاش سياحي قوي، باتت اليوم مهددة في ظل ما يصفه مراقبون بـ”التمرد الشعبي” على السياحة الجماعية.
القلق يتزايد داخل أروقة حكومة الجزر، التي سارعت إلى فتح قنوات حوار مع الفاعلين المحليين ومحاولة تهدئة الشارع، في وقت تضغط فيه شركات الطيران والفنادق لتفادي موجة إلغاءات قد تعصف بالموسم الصيفي المرتقب.
منافسون يتحركون على وقع الأزمة
بينما تحاول إسبانيا احتواء الأزمة داخلياً، تتحرك دول منافسة على الساحة السياحية العالمية لاقتناص الفرصة. المغرب، تحديداً، يستثمر في تعزيز الربط الجوي مع بريطانيا، وتحسين البنية التحتية السياحية، مستفيداً من أجواء الاستقرار الجيوسياسي وتعدد التجارب السياحية التي يقدمها.
في الوقت ذاته، تراهن تونس وتركيا على جذب شرائح جديدة من السياح الباحثين عن وجهات أقل ازدحاماً وأكثر احتراماً للطبيعة والمجتمعات المحلية، وهي القيم التي باتت تمثل أولوية متزايدة لدى المسافرين الأوروبيين.
هل تُحوّل الأزمة الإسبانية مسار السياحة المتوسطية؟
الأزمة التي تعصف بجزر الكناري قد تكون لحظة فارقة في مشهد السياحة الأوروبية، لا سيما في ظل ارتفاع الوعي البيئي والاجتماعي لدى السياح. ومع احتدام المنافسة على استقطاب الزوار، ستكون الكلمة الفصل للوجهات القادرة على الجمع بين الاستقرار، والجاذبية السياحية، واحترام المجتمعات المضيفة.
في هذا السياق، يبدو أن المغرب يملك كل المقومات ليصبح الرابح الأكبر من أزمة الكناري، في وقت تخسر فيه إسبانيا، ولو مؤقتاً، موقعها المميز على خريطة السياحة العالمية.
التعاليق (1)
على الأقل الشعب الإسباني يفكر في مصلحته قبل أن يفكر في السائح أما أنتم أيها المطبلون ،فلا يهمكم المواطن المغربي الذي يكتوي بنار الغلاء