ضوضاء إعلامية مقابل هدوء الأرقام
في خضمّ محاولات إعلامية متكررة لربط السوق المغربية بقرارات سياسية خارجية، تبرز الأرقام الرسمية لترسم صورة مختلفة تماماً. مؤخراً، عادت بعض المنابر الجزائرية لتنشر مزاعم حول “قطع تصدير الغاز البوتان للمغرب” وما سيتبعه من “ارتفاع وشيك في الأسعار”، في محاولة مكشوفة لخلق قلق غير مبرر لدى المواطن المغربي.
لكن، وبالعودة إلى بيانات مكتب الصرف (Office des changes) ووسائل الإعلام الموثوقة مثل Medias24، تتضح حقيقة بسيطة وقاطعة: هذه الرواية لا أساس لها من الصحة إطلاقًا.
رهان الرباط الناجح: استقلالية الطاقة وسيادة القرار
الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع هي أن المغرب قد طوى صفحة الاعتماد على الغاز الجزائري منذ مدة ليست بالقصيرة. هذا التحول لم يكن صدفة، بل هو تجسيد لسياسة مغربية واضحة نحو تنويع المصادر وضمان الاستقلالية الطاقية.
- صفر غاز جزائري: منذ سنة 2022، لم يعد المغرب يستورد أي كميات من غاز البوتان من الجزائر.
- قطع تام في 2023: وابتداءً من سنة 2023، أصبحت نسبة الغاز الجزائري في إجمالي الواردات المغربية تساوي صفرًا بالمئة.
اليوم، يعتمد المغرب بشكل شبه كامل على شركاء موثوقين وحرية السوق العالمية:
| مصدر استيراد غاز البوتان للمغرب | النسبة التقريبية |
|---|---|
| الولايات المتحدة الأمريكية | 77% |
| أوروبا (دول مختلفة) | 23% – 26% |
هذا يعني أن المملكة اليوم تشتري حاجياتها بحرية تامة من أسواق أمريكا وأوروبا، وتفاوض على الأفضل لها، مما يؤكد استقلاله عن أي إمدادات جزائرية قد تتأثر بالتقلبات السياسية.
سيف المقاصة الحاسم: الأسعار لا تُقرر في الخارج
النقطة الثانية الأكثر أهمية للقارئ هي أن سعر قنينة الغاز داخل المملكة ليس خاضعاً للسوق العالمية ولا للعلاقات التجارية مع أي دولة.
- سعر إداري ومُدعم: أسعار الغاز البوتان داخل المملكة تُحدد إداريًا وثابتًا من خلال صندوق المقاصة. هذا الصندوق هو من يتكفل بدفع الفارق الكبير بين سعر الشراء العالمي وسعر البيع المدعّم للمستهلك.
- قرار مغربي 100%: الزيادات السابقة في الأسعار (من 40 إلى 50 درهمًا لأسطوانة 12 كلغ) التي شهدتها السنوات الماضية لم تكن بسبب “قطع إمدادات”، بل كانت قراراً ماليًا داخليًا خالصًا، يندرج ضمن الإصلاح الشامل لنظام الدعم الذي أقرته الحكومة.
لذلك، فإن أي محاولة لربط “قطع الإمدادات المزعوم” بـ “الزيادة الوشيكة في الأسعار” هي تضليل مكشوف وتجهيل لحقيقة نظام الدعم المغربي.
المغرب يمضي قدمًا.. في سيادة كاملة
الرواية التي تروّجها بعض المنابر ليست سوى دعاية سياسية ركيكة تحاول أن تصدّر أزماتها الداخلية وخسارتها لأسواق الطاقة. فبينما يشتري المغرب حاجياته من الأسواق الحرة بثقة، تجتهد هذه الأبواق في محاولة يائسة للتغطية على عزلة نظامها وفشله في إدارة ملفاته الاقتصادية.
الحقيقة واضحة ومطمئنة: المغرب يواصل إصلاحاته الطاقية والاقتصادية بهدوء وثقة، ويعتمد على استراتيجية واضحة لتنويع الشركاء وفرض سيادته في اتخاذ القرارات الاقتصادية، حتى تلك التي تتعلق بدعم القدرة الشرائية للمواطنين.
على القارئ المغربي أن يتسلح بالحقائق والأرقام الرسمية لتفويت الفرصة على أي محاولة لتشويش الرؤية أو خلق البلبلة حول الأمن الطاقي والاقتصادي للمملكة.

التعاليق (0)