أثار التصريح الأخير للنجم المغربي مراد باتنا، لاعب نادي الفتح السعودي، والذي أعرب فيه عن شكره للجماهير المغربية وتأكيده على أن “قصة تمثيلي للمنتخب إنتهت”، حيث قال بالحرف: “أولا كنبغي نشكر الجماهير المغربية اللي كطالب بوجودي دائمًا في المنتخب، وأنا مثلي مثل أي لاعب يريد ارتداء شعار وطنه وتمثيل منتخبه، كنظن قصة تمثيلي للمنتخب إنتهت وأنا دائما معاهم قلبا وقالبا” (أثار)، جدلاً واسعاً في الأوساط الرياضية المغربية. التصريح، رغم نبرته العاطفية تجاه الجمهور، يطرح أسئلة مهنية وعميقة حول معايير الاختيار في المنتخبات الوطنية، خاصة تجاه اللاعبين الذين يتألقون خارج الدوريات الأوروبية الكبرى.
فجوة زمنية تُعمق التساؤلات
يُشير السجل الدولي لباتنا إلى أن آخر ظهور له بقميص “أسود الأطلس” يعود إلى عام 2016 أمام ساو تومي، ضمن تصفيات كأس أمم إفريقيا. هذه الفجوة الزمنية التي تجاوزت التسع سنوات، تشير إلى قرار فني مستقر من الأطر الوطنية المتعاقبة، يقضي باستبعاد اللاعب من حسابات المنتخب الأول.
المفارقة هنا تكمن في أن غياب مراد باتنا تزامن مع استقراره وتألقه اللافت في الدوري السعودي للمحترفين (دوري روشن)، حيث يدافع عن ألوان نادي الفتح منذ عام 2021. فعلى مدار السنوات الماضية، ظل باتنا أحد أبرز المحترفين المغاربة في منطقة الخليج، محققاً أرقاماً فردية ممتازة (أهداف وتمريرات حاسمة)، ومحافظاً على لياقة بدنية وفنية عالية. هذا التناقض بين الثبات في المستوى الفني للنادي والاستبعاد الدائم من المنتخب يغذي فرضية وجود حواجز غير فنية تُعيق انضمامه.
إشكالية “الرديف” ومعايير السكتيوي
تزامن تصريح مراد باتنا مع استعدادات المنتخب المغربي الرديف، تحت قيادة المدرب طارق السكتيوي، للمشاركة في بطولة كأس العرب بقطر. وقد تزايدت التساؤلات الإعلامية والجماهيرية حول جدوى عدم استدعاء لاعب بقيمة وخبرة باتنا لهذا التجمع، لا سيما أن هذه البطولة تمثل فرصة لتقييم المحترفين خارج أوروبا والاستفادة من خبراتهم في دوريات قوية مثل الدوري السعودي.
في سياق الاحترافية، يجب النظر إلى القرار من منظور المدرب:
- الرؤية المستقبلية: قد يفضل الإطار الفني لـ “الرديف” الاعتماد على لاعبين أصغر سناً لضمان استمرارية البناء الجيلي وتجهيزهم للمنتخب الأول مستقبلاً، وهو ما يفسره باتنا نفسه أحياناً بعامل السن.
- المركزية الأوروبية: يميل عدد من الأجهزة الفنية الوطنية في المغرب، كما هو الحال في دول أخرى، إلى إعطاء الأولوية المطلقة للاعبين الممارسين في الدوريات الأوروبية الكبرى مثل حالة المنتخب المغربي الأول، معتبرين أن نسق المنافسة هناك أعلى وأكثر تناسباً مع متطلبات الكرة الدولية، حتى لو أدى ذلك لتجاهل تألق اللاعبين في الدوريات الخليجية.
جدلية فصل العاطفة عن القرار الفني
عندما يعلن لاعب بحجم مراد باتنا أن قصته مع المنتخب “انتهت”، فإن ذلك يعكس إدراكاً لـ “القرار النهائي” الذي اتخذه الجهاز الفني، بغض النظر عن رغبة اللاعب أو المطالب الجماهيرية.
تصريح باتنا يُعد شهادة صريحة على استسلام اللاعب لهذا الواقع، حيث يوجه الشكر للجماهير التي دعمته، مؤكداً استمرارية دعمه لـ “الأسود” “قلباً وقالباً”، في إشارة إلى انفصال الدور الاحترافي (اللاعب في الميدان) عن الدور الوطني (المشجع).
في الختام، تبقى حالة مراد باتنا مثالاً حياً لجدلية الاختيار في المنتخبات الوطنية، حيث يتصادم تألق اللاعب الفردي وخبرته مع رؤى فنية قد لا تجد في ملامح اللاعب المتألق في الدوري السعودي ما يتناسب مع طموحات “الجيل الجديد” التي تتبناها الأطر الفنية الوطنية.

التعاليق (0)