المغرب أمام “مفترق طرق مائي”: إنتاج القمح يهوي 70% والعدالة تغيب عن صغار الفلاحين

الفلاحة في المغرب تنتظر الأمطار سلطة ومجتمع الفلاحة في المغرب تنتظر الأمطار

يشهد المغرب تدهوراً زراعياً بسبب التغيرات المناخية، مع انخفاض إنتاج القمح الحاد وتأخر الأمطار. التقرير يحذر من مفترق طرق مائي، ويدعو لنموذج فلاحي أكثر عدالة. الفلاحون قلقون، والاقتصاد الزراعي يواجه تحديات، مع غياب العدالة في توزيع الدعم. الحل يكمن في خطط حكومية لتعزيز البنية التحتية المائية، وضمان توازن مائي مستدام.

يسجل المغرب ارتفاعًا في درجات الحرارة السنوية بمعدل يصل إلى درجتين مئويتين منذ بداية القرن العشرين، مصحوبًا بتقلبات حادة في أنماط سقوط الأمطار، تتراوح بين فيضانات مدمرة ومواسم جفاف طويلة. هذا ما كشف عنه مضمون التقرير الصادر مؤخرًا عن مؤسسة “فريدريش ناومان” تحت عنوان: “الزراعة تحت ضغط التغير المناخي وأمن المغرب الغذائي”.

التقرير ذاته، أوضح أن هذه الظروف المناخية، أدت إلى تداعيات خطيرة على الزراعات البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار لتوفير احتياجات المحاصيل، والتي تغطي في مساحتها الإجمالية 60 في المائة من الأراضي المزروعة، مؤكدًا أن إنتاج القمح تراجع بشكل حاد من 11.47 مليون طن في عام 2015 إلى 3.35 مليون طن فقط في 2016، وهو ما اضطر المغرب إلى رفع حجم وارداته من الحبوب لتغطي نحو 20 في المائة من عائدات صادراته، وهو معدل يفوق المتوسط العالمي بأربعة أضعاف.

ويبرز التقرير أن القطاع الفلاحي، الذي يمثل ركيزة اقتصاد المغرب بمساهمته بحصة 14 في المائة في الناتج الداخلي الخام وتشغيله لنحو 40 في المائة من إجمالي اليد العاملة، لازال يواجه تحديات غير مسبوقة، رغم الجهود التي بذلتها المملكة لتحديث هذا القطاع عبر مخطط “المغرب الأخضر” الذي تم إطلاقه في عام 2008.

مؤكدًا في هذا الصدد، أن ثمار هذه الاستراتيجية الفلاحية لم تتوزع بشكل عادل بين الفلاحين، باعتبار أن مخطط المغرب الأخضر نجح في زيادة صادرات القطاع وتوسيع المساحات المسقية، لكن المستفيد الأكبر من ذلك كانوا أصحاب الضيعات الفلاحية الكبرى الموجهة للتصدير، خلافاً لصغار الفلاحين الذين ظلوا يواجهون صعوبات في الوصول إلى الدعم والتمويل والخبرة التقنية، مع أن أكثر من 60 في المائة من سكان البوادي والقرى، هم في معظمهم فلاحون صغار يملكون أقل من 5 هكتارات، ويعتمدون بالدرجة الأولى على الزراعة بشكل مباشر لتأمين سبل عيشهم.

كما توصل التقرير في خلاصاته إلى ما يفيد أن المغرب يقف عند مفترق طرق، داعيًا إلى تبني نموذج فلاحي جديد أكثر عدالة واستدامة، يوازن بين تعزيز الإنتاجية وحماية صغار الفلاحين، وذلك لضمان أمن غذائي مستدام وصون كرامة ملايين الأسر القروية في مواجهة التحديات المناخية.

قلق في أوساط الفلاحين بالمغرب

يرى مهتمون بالشأن الفلاحي، أن الظروف المناخية الحالية بالمغرب والتي تتميز بارتفاع درجات الحرارة وتأخر التساقطات المطرية، تزيد من مشاعر الخوف والقلق في نفوس الفلاحين، معتبرين أن استمرار هذا الوضع المناخي المقلق من شأنه أن يؤثر بالسلب على الزراعات الخريفية والغطاء النباتي، خصوصاً في مثل هذه الظرفية السنوية التي عادة ما تعرف شروع الفلاحين في إطلاق عملية الحرث، أملاً في غيث السماء. إلا أن التأخر المسجل في التساقطات المطرية خلال شهر نوفمبر الجاري، يقض مضاجع هؤلاء المزارعين ومعهم كسابي الماشية الذين يعولون على موسم فلاحي جيد لتوفير الكلأ والأعلاف لرؤوس الأغنام والأبقار بتكاليف منخفضة مما هي عليه اليوم.

وتؤكد المصادر ذاتها، أن تأخر التساقطات المطرية يشكل تهديدًا كبيرًا للموسم الفلاحي الراهن، بالنظر لتأثيراته السلبية على الزراعات التي بدأت في النمو، كما أن تأخر الأمطار ينذر بالخسائر للأشجار المثمرة من قبيل الرمان والزيتون التي هي في حاجة ماسة للمياه حتى تعطي وفرة الإنتاج والجودة، مؤكدين أن هذه السنة سجلت تأخراً ملحوظاً مقارنة بالأعوام المنصرمة التي كانت تعرف تساقطات خلال شهري شتنبر وأكتوبر، بل من هؤلاء الخبراء الفلاحيين من أكد حدوث تراجع في حقينة السدود جراء عملية التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وأوضح المتحدث نفسه، أن الفلاحين المغاربة اعتادوا على تأخر الموسم الفلاحي الذي لا ينطلق إلا في نونبر وبداية دجنبر، لا سيما عملية الحرث، عكس السنوات السابقة التي كانت تنطلق في شتنبر وبداية أكتوبر، موضحاً أن تأخر الأمطار سيؤثر بلا شك على بداية الموسم الفلاحي والوضعية الاقتصادية بصفة عامة والقطاع الفلاحي بشكل خاص باعتباره يشغل يدًا عاملة جد مهمة.

عمر الكتاني: الفلاحة الوطنية في حاجة إلى توازن مائي مستدام

أشار المحلل الاقتصادي عمر الكتاني، إلى أن إشكالية ندرة الماء، عن واقع القطاع الفلاحي وارتباطاته بمنسوب التساقطات المطرية التي تأخرت ببلادنا خلال الموسم الجديد، مؤكداً أن التحدي والرهان الأكبر ببلادنا، يبقى هو تمكن الحكومة من ضمان توازن مائي مستدام خلال الموسم الفلاحي 2026/2025، أي في العام الأخير من عمرها الانتدابي.

في هذا الصدد، دعا الكتاني إلى العمل على تسريع وتيرة تنزيل الإصلاحات الهيكلية في مجال تدبير الموارد وتثمين مياه المملكة وفق ما هو مضمن في التوجهات الكبرى لمشروع القانون المالي لعام 2026، معتبراً أن تسجيل حقينة السدود لنسبة ملء تقل عن 32 في المائة، لا يلبي إ انتظارات، لكونه لا يكفي لتأمين حاجات الفلاحة ومتطلبات الشرب ودينامية التصنيع.

وهنا، يذكر أن مشروع الميزانية المقبلة، ينص على مواصلة برنامج التحلية الكبرى الذي يشمل محطات الدار البيضاء، والداخلة، آسفي وأكادير، بالإضافة إلى ربط الأحواض المائية وتوسيع شبكات التوزيع لضمان تزويد المدن والقرى، حيث رصدت الحكومة لتفعيل هذا المخطط المائي الطموح، اعتمادات مالية مهمة.

كما رصدت مخصصات لتقوية البنيات التحتية المائية والسدود الصغيرة والمتوسطة في العالم القروي وتطوير أنظمة المراقبة الرقمية لتدبير الموارد. ويرتقب أن يساهم هذا المجهود المالي في تقليص العجز المائي خلال السنوات القليلة المقبلة، خاصة مع إدماج مشاريع الماء ضمن أولويات الاستثمار العمومي الذي ارتفع إلى 380 مليار درهم سنة 2026، في الوقت الذي وصل فيه حجم المياه المخزنة في مجموع السدود إلى 5.32 مليارات متر مكعب من أصل 16.76 مليار متر مكعب كسعة إجمالية في سياق توجه حكومي نحو اعتماد وسائل بديلة لتغطية مياه الشرب والسقي الفلاحي.

كما تجدر الإشارة إلى أن الحالة اليومية لحقينات السدود ليوم 22 أكتوبر 2025، أبانت على استمرار انخفاض المخزون المائي الوطني مقارنة مع الأشهر القليلة الماضية، إذ بلغت نسبة الملء 31.75 في المائة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على مصادر مفتوحة من بينها جريدة المشغل عدد 948، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً