يشهد المشهد الدبلوماسي الأممي، وتحديداً في أروقة مجلس الأمن، تحركات محمومة من قبل نظام الجزائر العسكري، هدفها الواضح هو محاولة حصار وإجهاض أي تقدم دبلوماسي للمغرب في ملف وحدته الترابية.
وتكشف المعطيات المتعلقة بالدول التي ستتولى العضوية غير الدائمة في المجلس خلال عام 2026، والتي يتبادل معها النظام الجزائري الزيارات والوعود، عن استراتيجية واضحة تعتمد على دبلوماسية “العطايا” وشراء المواقف.
المخطط والغاية: استنزاف مقدرات الأمة مقابل “لا” دولية
تشير قائمة الدول التي ستشغل مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن لعامي 2025-2026 و 2026-2027 إلى حراك جزائري مكثف. الدول المعنية، مثل الصومال، الدنمارك، اليونان، باكستان، بنما (حتى 2026)، بالإضافة إلى الدول المنتخبة حديثًا وهي البحرين، كولومبيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، لاتفيا، وليبيريا (حتى 2027)، أصبحت على ما يبدو محط أنظار الدبلوماسية الجزائرية بـ “جيوبها المفتوحة”.
الهدف المعلن وغير المعلن لهذه الزيارات والتقاربات هو ضمان “جبهة تصويت” مناوئة للمغرب داخل المجلس. هذا الجهد لا يهدف بالضرورة إلى تمرير قرارات لصالح الأطروحة الانفصالية “البوليساريو“، بقدر ما يركز على عرقلة وتقويض القرارات التي تصب في صالح مبادرة الحكم الذاتي المغربية. إن سقف المصالح والمنح والعطايا التي تُرصد لهذه الدول، من صفقات اقتصادية وتمويلات سخية، يصل إلى حد السماء، كما تشير التحليلات، ليصبح ثمن “عدم التصويت” على أي قرار في صالح المغرب باهظاً ومكلفاً جداً للخزينة الجزائرية.
عطايا بثمن خيالي ونتائج محدودة
إن الإشكالية الكبرى في هذا النهج الجزائري تكمن في ثلاثة محاور رئيسية:
- استنزاف الثروات: يتم استنزاف موارد مالية ضخمة، هي بالأساس ملك للشعب الجزائري، في مغامرات دبلوماسية قصيرة الأمد. هذه الأموال كان يمكن توجيهها لتحسين الأوضاع الداخلية الملحة.
- مواقف غير مستدامة: العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن هي مؤقتة لمدة سنتين. فالموقف الذي يُشترى بالمال هو موقف هش ومؤقت ويزول بزوال العضوية. بمجرد انتهاء ولاية هذه الدول، يتبدد التأثير الجزائري، وتبقى فاتورة “الرشاوي الدبلوماسية” هي الذاكرة الوحيدة.
- تجاهل الوزن النوعي: القرارات المصيرية في مجلس الأمن تتطلب موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية (التي تملك حق النقض “الفيتو”)، بالإضافة إلى الأغلبية. الاعتماد على شراء أصوات الدول غير الدائمة، التي لا تملك حق الفيتو، هو استراتيجية قاصرة لا تستطيع أن توقف مساراً تقوده القوى العظمى والمحكمة بمبادئ القانون الدولي، خاصة بعد الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء.
المغرب: ثبات الرؤية واستثمار الشراكات
في المقابل، يواصل المغرب بناء تحالفاته على أسس الشراكة الاستراتيجية والمصلحة المشتركة والقانون الدولي، وليس على أساس التمويل مقابل المواقف. استراتيجية الرباط تعتمد على الإقناع بوجاهة مبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي، وهي مبادرة تحظى بدعم دولي متنامٍ، ولعل قرار مجلس الأمن تحت رقم 2797 خير دليل.
إن ما يقوم به النظام الجزائري اليوم هو سباق مع الزمن لاستنزاف الأموال وتأجيل ما هو قادم لا محالة: الاعتراف الدولي بجدية وواقعية الحل المغربي. هذه الدبلوماسية المكلفة والمبنية على “شراء الذمم” لن تفلح في تغيير مسار التاريخ أو طمس حقائق الجغرافيا والسيادة.، فالنظام الجزائري “تايكوب الماء في الرملا” كما يقول المثل الشعبي.
على القارئ المغربي أن يدرك أن الضجيج الدبلوماسي الجزائري في مجلس الأمن هو محاولة أخيرة ويائسة لإخفاء فشل عقود من الدعم لأطروحة الانفصال، وأن ثمن هذه “الزيارات” و”العطايا” يدفعه الشعب الجزائري، في حين يظل المغرب ماضياً بخطى ثابتة نحو ترسيخ سيادته الكاملة بفضل الدعم الدولي القائم على المنطق والشرعية.
والظاهر أن النظام الجزائري لحدود اليوم، لن يستوعب الدرس وسيظل في معاكسة كل ما هو مغربي “ولو طارت معزة”، فالمغرب “شوكة” في حلق “قصر المرادية” الذي يتنفس ويعيش بتصدير أزماته وجعل المملكة الشماعة التي تنقذه من السقوط في أي لحظة.

التعاليق (0)