المغرب الصاعد يعتمد على الذكاء الدبلوماسي والأمن الاقتصادي في عالم مضطرب. يسعى لتعزيز قوته ونفوذه عبر استغلال موقعه، وتوازن علاقاته مع القوى الكبرى (أمريكا، الصين، روسيا). الصحراء المغربية تحولت لمنصة اقتصادية بفضل المشاريع الكبرى. الدبلوماسية الاقتصادية تهدف لجلب الاستثمار وتأمين المصالح، مما يجعل المغرب نموذجًا سياديًا.
✍️ نجيب الأضادي
تفرض التحولات الجيو–اقتصادية المتسارعة نفسها اليوم على الدول، وتدفعها إلى إعادة التفكير في أدوات قوتها ومسارات تموقعها داخل نظام دولي يتغيّر بشكل غير مسبوق. وفي خضم هذا الواقع العالمي المضطرب، يتحرك المغرب بثبات استراتيجي واضح، معتمدًا مقاربة تقوم على الذكاء الدبلوماسي وحماية الأمن الاقتصادي كرافعتين أساسيتين لبناء القوة الوطنية وتعزيز السيادة في زمن أصبحت فيه المنافسة الاقتصادية أكثر ضراوة من الصراعات العسكرية.
لقد انتقل العالم من مرحلة كانت فيها القوة تقاس بالترسانات العسكرية والاتحادات السياسية، إلى مرحلة جديدة أصبح فيها الاقتصاد، البيانات، التكنولوجيا، والقدرة على تحصين سلاسل التوريد هي المحددات الفعلية لمكانة الدول. وفي هذا السياق، يبرز المغرب كدولة صاعدة تعرف جيدًا كيف توظّف موقعها، وتوازن علاقاتها، وتحمي مصالحها في مواجهة محاولات العرقلة والاستهداف التي ازدادت حدّتها مع اتساع نفوذ المملكة.
وتبرز الصحراء المغربية اليوم كأحد أهم مفاتيح هذا التموقع الجديد، فقد تحولت من ملف سياسي تقليدي إلى منصة اقتصادية استراتيجية بفضل المشاريع الضخمة التي أطلقها المغرب، من ميناء الداخلة الأطلسي إلى الاستثمارات في الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة.
ومع الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، وانخراط شركات أمريكية وصينية وروسية في مشاريع استراتيجية داخل المنطقة، أصبحت الصحراء نقطة جذب جيو–اقتصادية ودليلًا إضافيًا على صعود المغرب داخل محيطه الإقليمي والدولي.
ويظهر هذا الصعود بوضوح في قدرة المغرب على إدارة علاقاته مع القوى الكبرى بذكاء بالغ:
- الولايات المتحدة تعمق شراكاتها الاقتصادية والصناعية مع المملكة.
- الصين تفتح أسواقها أمام المنتجات المغربية وتستثمر في الصناعات التكنولوجية.
- روسيا تحتفظ بقنوات تعاون إستراتيجي في الطاقة والغذاء والصيد البحري.
هذا التوازن الدبلوماسي الدقيق يمنح المملكة هامشًا واسعًا من المناورة، ويُرسّخ استقلالية القرار الاقتصادي بعيدًا عن أي اصطفاف أحادي.
وقد سبق وأن أشرنا سابقا أن تعيين محمد أمين بلحاج مديرًا للدبلوماسية الاقتصادية جاء في هذا السياق الجيوستراتيجي الإقتصادي ليشكل خطوة تعكس هذا التحول البنيوي في العقيدة الدبلوماسية الوطنية. فالدبلوماسية المغربية تدخل اليوم مرحلة تتجاوز منطق العلاقات التقليدية نحو دبلوماسية التنمية، حيث يصبح الهدف المركزي هو جلب الاستثمار، نقل المعرفة، تأمين الأسواق، وحماية المصالح الحيوية للمملكة في عالم تتزايد فيه المخاطر الاقتصادية العابرة للحدود.
إن المغرب، وهو يبني قوته على أسس الأمن الاقتصادي والذكاء الدبلوماسي، لا يكتفي بالاندماج في التغيرات الجارية، بل يشارك في صياغتها، ويُرسّخ حضوره كنموذج سيادي في شمال إفريقيا والعالم العربي وإفريقيا.
إنه نموذج دولة تتحرك بثقة، وتحمي مكتسباتها، وتصنع موقعها المستقبلي في عالم لا يعترف إلا بالفاعلين الأقوياء.
- مدون وكاتب مغربي

التعاليق (0)