تشهد العلاقات بين المغرب وإسبانيا في السنوات الأخيرة نقلة نوعية، مدفوعة بضرورات الجوار الجيوسياسي المشترك والمصالح الاقتصادية المتشابكة، خاصة بعد التفاهم الكبير الذي تم التوصل إليه بشأن ملف الصحراء المغربية. هذه العلاقة، التي تجاوزت سوء الفهم التاريخي والصور النمطية، باتت اليوم ترتكز على سبعة مؤشرات قوية تؤكد عمق الروابط بين المملكتين وتفردها على مستويات عدة:
البعد الاقتصادي: شراكة قياسية ومكانة محورية
يُعد العمق الاقتصادي حجر الزاوية في هذه العلاقة، حيث تترجم الأرقام بوضوح قوة التبادل بين البلدين:
- الشريك التجاري الأول للمغرب: تتصدر إسبانيا قائمة الشركاء التجاريين للمملكة المغربية بحجم تبادل قياسي بلغ 22.7 مليار يورو. وهي كذلك الزبون الأول للصادرات المغربية، مستحوذة على نسبة تناهز 22.5% من مجموعها، ما يؤكد اعتماد الاقتصاد المغربي بشكل كبير على السوق الإسبانية كبوابة رئيسية لأوروبا.
- الاستثمار المتبادل: برغم أن إسبانيا هي ثالث أكبر مستثمر أجنبي في المغرب بقيمة تقارب 1.9 مليار يورو (بنسبة 8.5% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية)، فإنها تولي المملكة أهمية استراتيجية. إذ يُعد المغرب هو الوجهة الأولى للاستثمارات الإسبانية في قارة إفريقيا، حيث يستحوذ على حوالي 30% من إجمالي الاستثمار الإسباني في القارة. هذا النشاط الاستثماري يتجسد في وجود حوالي 1200 شركة إسبانية فاعلة داخل المملكة.
- التكامل الطاقي واللوجستي: انتقل المغرب ليصبح أول مستورد للغاز من إسبانيا عبر أنبوب الغاز المغاربي، خاصة بعد توقف التدفق من مصدره السابق. بالإضافة إلى ذلك، يساهم التبادل الكهربائي مع إسبانيا في تأمين حوالي 14% من الاستهلاك السنوي للمغرب عبر ربط مباشر بقدرة 1.4 جيغاواط، وهناك اتفاق على خط ثالث لزيادة هذه القدرة. هذا التعاون يرسخ التكامل في سلاسل الإمداد الطاقية بين الجانبين.
البعد البشري والسياحي: تداخل حضاري متجذر
لا تقتصر الروابط على الاقتصاد، بل تمتد بعمق لتشمل الجانب الإنساني والثقافي:
- السوق السياحية الكبرى: تُعتبر إسبانيا ثاني أكبر سوق سياحية للمغرب، حيث يمثل السياح الإسبان حوالي 3.5 ملايين سائح، أي نحو 20% من إجمالي الوافدين (بعد فرنسا). هذا الحجم الهائل من الحركة السياحية يعكس القرب الجغرافي وسهولة التنقل، فضلاً عن الجاذبية الثقافية المشتركة.
- مركز الجالية المغربية: تستضيف إسبانيا ثاني أكبر مركز للجالية المغربية في العالم، حيث يقيم ما يقارب مليون مغربي بين مهاجرين ومتجنسين (بعد فرنسا). هذا الحضور البشري الضخم يلعب دوراً حيوياً في بناء الجسور بين الثقافات.
- تحويلات مغاربة العالم: بفضل هذا العدد الكبير من المقيمين، تحتل إسبانيا المركز الثاني كمصدر لتحويلات الجالية المغربية، بقيمة بلغت 1.375 مليار يورو، تمثل نحو 13% من مجموع تحويلات مغاربة الخارج. هذه الأموال تشكل رافداً مهماً للاقتصاد الوطني وتؤكد الارتباط الوثيق للجالية بوطنها الأم.
النضج السياسي: الانفراج كقاعدة للجوار
المؤشر السابع والأكثر أهمية هو مستوى النضج السياسي الذي وصلت إليه العلاقة:
- الحوار الصريح وتجاوز الخلاف: بفضل الحوار الصريح الذي فرضته مستجدات الواقع الجيوسياسي، تمكن البلدان من تحقيق انفراج كبير في الخلاف السياسي حول ملف الصحراء المغربية. هذا التفاهم شكل نقطة بداية لتجاوز سوء الفهم التاريخي وفتح المجال لمعالجة قضايا أخرى عالقة شديدة التعقيد.
ختاماً، يمكن القول إن العلاقة بين المغرب وإسبانيا تنتقل بالفعل من مجرد شراكة تجارية مميزة وتعاون أمني وثيق، إلى مستوى النضج في الحوار السياسي، والاندماج الاقتصادي والتكامل في سلاسل التوريد الصناعية والطاقية واللوجستية.
هذا التطور يعزز بلا شك موقع البلدين الحيوي في غرب المتوسط وفي تفاعلات أوروبا وإفريقيا، ويجسد نموذجاً حقيقياً للجوار النافع والمثمر.
- تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على مصادر مفتوحة، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.

التعاليق (0)