في الأشهر الماضية، لم يكن من الصعب ملاحظة نبرة واحدة تتكرر في جزء من الإعلام الجزائري: التشكيك، التهويل، وبث صورة قاتمة عن المغرب قبل كأس أمم إفريقيا. قيل للجزائريين إن البطولة ستُلغى، وإن الملاعب مدمّرة، وإن الفيضانات أغرقت البلاد، وإن الأزمات تخنق كل شيء، بل وصل الخطاب حد تصوير المغرب كبلد على حافة الانهيار وشعبه يعاني الجوع واليأس.
كانت رواية جاهزة، تُقدَّم بثقة، وتُعاد يومًا بعد يوم، حتى بدت عند البعض كأنها حقيقة لا تقبل النقاش.
ثم جاء اليوم الذي تكلّمت فيه الحقيقة… لا عبر بلاغ رسمي، ولا عبر قناة مغربية، ولا عبر حملة دعائية منظمة، بل عبر عشرات المقاطع المصوّرة التي نشرها مشجعون جزائريون بأنفسهم، فور وصولهم إلى المغرب لتشجيع منتخب بلادهم في نهائيات كأس إفريقيا.
مقاطع عفوية، صادقة، بلا مونتاج ولا تصفية حسابات. جزائريون يصورون ما يرونه بأعينهم: مطارات منظمة، طرق حديثة، شبكة مواصلات فعالة، فنادق بمستوى محترم، واستقبال إنساني راقٍ من مواطنين مغاربة لا يسألون عن السياسة، بل يتعاملون بمنطق الجار والضيف.
هنا بالضبط سقطت الدعاية. لأن الصورة التي رُوّجت لشهور اصطدمت بالواقع. ولأن ما حاولت آلة إعلامية أن تزيّفه، فضحته عدسات هواتف بسيطة في يد مشجعين عاديين، لا مصلحة لهم في تلميع أحد أو الدفاع عن أحد.
من المهم أن نكون واضحين مع أنفسنا. المغرب ليس “السويد”، ولا يدّعي الكمال. لدينا اختلالات حقيقية، ونقائص يومية، ومشاكل اجتماعية واقتصادية يناقشها المغاربة فيما بينهم دون خوف أو مواربة. ننتقد، نحتج، ونضغط على المسؤولين، لأن هذا حقنا وواجبنا. لكن شيء آخر تمامًا أن يتم تحويل هذه النقائص إلى صورة كارثية مختلقة لا تمت للواقع بصلة.
الفرق بين النقد الصادق والدعاية المغرضة هو الميدان. والميدان، هذه المرة، لم يكن ملعب كرة قدم فقط، بل شوارع، وقطارات، وفنادق، ووجوه مواطنين. وهناك، سقطت الأكاذيب واحدة تلو الأخرى.
ما حدث يقدّم درسًا بسيطًا: الحقيقة لا تحتاج إلى ضجيج، ولا إلى حملات منظمة، ولا إلى خطابات انفعالية. تحتاج فقط إلى أن تُرى على أرض الواقع. وعندما تُرى، لا تعود كل الكلمات السابقة ذات قيمة.

التعاليق (0)