كأس إفريقيا 2025.. هل سقط الركراكي في فخ “العقم التكتيكي” أم أنه هدوء الأبطال؟

وليد الركراكي والمنتخب المغربي رياضة وليد الركراكي والمنتخب المغربي

مع انطلاق صافرة كأس إفريقيا فوق الملاعب المغربية، لم يعد مقبولاً ولا مستساغاً توصيف ما يحدث للمنتخب الوطني بأنه مجرد “تعثر عابر”. نحن اليوم، وفي قلب هذه النسخة من كأس إفريقيا، أمام مؤشرات مقلقة تتكرر للمباراة الثانية على التوالي؛ فوز شاق أمام جزر القمر، وتعادل باهت أمام مالي. أداء يراوح مكانه، ورؤية تكتيكية يبدو أنها أصيبت بـ “الرمد” في وقت ينتظر فيه المغاربة أن تظل الكأس الغالية في خزانة المملكة.

أزمة “هوية” لا أزمة “أسماء”

الإشكال في منتخب “أسود الأطلس” اليوم لم يعد مرتبطاً بجودة اللاعبين؛ فنحن نمتلك يقيناً واحداً من أفضل الأجيال في تاريخ الكرة المغربية. المعضلة تكمن في “كيفية توظيف” هذه الترسانة. ما شاهدناه أمام مالي كان عرضاً لـ “الاستحواذ السلبي”؛ نسيطر دون خطورة، نمرر دون عمق، ونهاجم دون أفكار واضحة. هي أعراض واضحة لعقم تكتيكي يعكس محدودية العمل التقني على دكة البدلاء.

لقد كشفت مباراة مالي، وتحديداً في شوطها الثاني، عن عجز “الكوتش” وليد الركراكي عن تصحيح الاختلالات. التغييرات كانت تفتقد للجرأة والابتكار، وكأن المدرب اختار “التكيف” مع إيقاع الخصم بدل فرض منطقه الخاص. إن إنجاز مونديال قطر، رغم قيمته التاريخية، لا يمكن أن يظل “صك براءة” دائم؛ فالـ “كان” بطولة تُحسم بالتفاصيل وفك شفرات التكتلات الدفاعية، وهي عناصر غابت تماماً عن “نهج الركراكي” حتى الآن.

سقف الطموح.. هل غابت “شخصية البطل”؟

استضافة البطولة فوق الملاعب المغربية تفرض سقفاً عالياً من الطموح. الجماهير لا تريد “عبوراً آمناً” للدور الثاني، بل تريد “شخصية البطل” التي تلتهم الخصوم. وبكل صراحة، إذا استمر هذا الجمود، فإن الإقصاء لن يكون مفاجأة، بل نتيجة منطقية لمسار لم يتم تصحيحه في الوقت المناسب. فهل حان الوقت للقرار الصعب؟ وهل انتهى مفعول “رأس لافوكا” أمام عقبات القارة السمراء؟

على رسلكم.. دعونا نتحدث بلغة “العقل”

لكن، وأمام هذه الموجة العاتية من الانتقادات التي طالت الركراكي ووصلت حد المطالبة بإقالته، ألا يجدر بنا التوقف قليلاً واستحضار “منطق التاريخ”؟

دعونا نتساءل بعقلانية: هل خرج الركراكي من المنافسة؟ لا. هل انهزم في ثلاث مباريات متتالية؟ لا. كل ما في الأمر أنه تعادل في مباراة واحدة. وهنا نذكّر “المتحمسين” بوقائع لا تكذب:

  • الأرجنتين تعثرت في أول مباراة بمونديال قطر، وفي النهاية رفعت الكأس.
  • إيطاليا تعادلت في دور المجموعات أكثر من مرة، ثم تُوجت باللقب.
  • كوت ديفوار في النسخة الماضية كانت قاب قوسين أو أدنى من الخروج المذل، ومع ذلك فازت بالكأس.

زامبيا.. الفرصة الأخيرة لترميم الثقة

وتتجه الأنظار الآن صوب الموعد القادم للمنتخب المغربي أمام منتخب زامبيا (الاثنين القادم)، وهي المواجهة التي لم تعد مجرد مباراة لتأمين النقاط، بل أصبحت محطة “تصحيح المسار” الشامل. ورغم أن “أسود الأطلس” ضمنوا التأهل للدور الثاني بنسبة كبيرة جداً، إلا أن الرهان في موقعة زامبيا يتجاوز منطق الحسابات؛ فالمطلوب اليوم هو “الإقناع” قبل “الانتصار”.

ستكون مواجهة زامبيا بمثابة الاختبار الحقيقي لوليد الركراكي للرد على سيل الانتقادات والظهور بوجه مغاير تماماً، فهي الفرصة الأخيرة لتدارك الموقف وإثبات أن ما حدث أمام مالي لم يكن سوى سحابة صيف عابرة. الجماهير المغربية لن تقبل بأقل من أداء هجومي شرس ورؤية تكتيكية واضحة تعيد الهيبة لشخصية البطل، ففي كأس إفريقيا المقامة بالمغرب، لم يعد العبور للدور القادم كافياً، بل أصبحت الاستعراضية والنجاعة التكتيكية هما المقياس الوحيد لمصالحة الجماهير المتحرقة لرؤية منتخبها في أبهى حلة.

العبرة بالخواتيم

الكرة لا تُحسم في دور المجموعات، والمنتخبات الكبيرة لا تُقاس بتعثر في بداية الطريق، بل بما يحدث في “محطات الحسم”. الركراكي وجهازه التقني قد يكونون في مرحلة “تسيير المجهود” أو تجريب الحلول، والعبرة دائماً بالخواتيم.

بين النقد القاسي الذي يرى “عقماً تكتيكياً” وبين المنطق الذي يدعو للثقة في مدرب المونديال، يبقى الميدان هو الفيصل. اللقب سيبقى قريباً إذا استعاد الركراكي “مرونته”، وسيبتعد كثيراً إذا ظل حبيساً لقناعات قديمة لا تسمن ولا تغني من جوع في أدغال إفريقيا.

التعاليق (1)

اترك تعليقاً

    تعليقات الزوار تعبّر عن آرائهم الشخصية، ولا تمثّل بالضرورة مواقف أو آراء موقع أنا الخبر.
  1. عبدو -

    تحليلات في محلها و لكن هل ستصل هذه الملاحظات إلى المدرب و من معه أم أنها َموجهة للقارئ.