من الصعب إنكار ما حققه وليد الركراكي مع المنتخب المغربي. إنجاز مونديال قطر لم يكن مجرد نتيجة عابرة، بل لحظة فاصلة أعادت تعريف طموح الكرة المغربية ورفعت سقف التوقعات جماهيرياً وإعلامياً. غير أن كرة القدم، كما تُكافئ بسرعة، تُحاسب بسرعة أكبر. فما كان مصدر قوة بالأمس، أصبح اليوم موضع تساؤل حقيقي.
هوية صنعت المجد… في سياق استثنائي
المنتخب المغربي بلغ قمة غير مسبوقة بفضل هوية واضحة: الدفاع المنظم، الانتقال السريع، وضرب الخصم في لحظة اندفاعه. هذه الوصفة نجحت لأنها وُلدت داخل سياق خاص؛ منتخبات كبرى تستحوذ، خطوط متقدمة، ومساحات خلف الدفاع. الركراكي قرأ المشهد بدقة، واستثمره ببراغماتية ذكية.
حين تغيّر الخصوم… انكشفت الحدود
منذ كأس إفريقيا الأخيرة بالكوت ديفوار، تغيّر كل شيء. المنتخبات الإفريقية لم تعد تواجه المغرب كمنتخب “أقل شأناً”، بل كمرشح أول. النتيجة: دفاعات منخفضة، مساحات مغلقة، وترك الكرة للأسود. هنا بالضبط بدأت أزمة الهوية. التحولات لم تعد ممكنة، واللعب الموضعي لم يكن جاهزاً.
رهان الجامعة: الاستمرارية أم التغيير؟
بعد إخفاق ساحل العاج، كان القرار بيد الجامعة الملكية لكرة القدم: إما الاستمرار مع الركراكي أملاً في تطور أسلوبي يواجه التكتلات أو تغيير الاتجاه نحو مدرب يُجيد بناء اللعب وفرض السيطرة، فتم اختيار الاستمرارية، على أساس أن المدرب قادر على تطوير أدواته. لكن الواقع كشف أن هذا الرهان كان محفوفاً بالمخاطر، ومباراة أمس أمام مالي أظهرت كل العيوب.
الهوية لا تُخلق في الطوارئ
كرة القدم الحديثة لا تعترف بالحلول السريعة. أسلوب اللعب يُبنى عبر سنوات من العمل، وليس عبر اجتهادات ظرفية. التحول من مدرب يعتمد على الانتقال السريع إلى مدرب يُتقن اللعب الموضعي يتطلب ثورة تدريبية وفكرية، وليس مجرد تعديل تكتيكي في مباراة أو اثنتين.
لماذا تبدو الانتصارات غير مقنعة؟
حتى حين يحقق المنتخب المغربي الفوز، يظهر الإحساس العام بعدم الاقتناع. الأداء متشابه، الإيقاع بطيء، والاعتماد على حلول فردية أكثر من منظومة جماعية. الجمهور يرى منتخباً يملك أسماء كبيرة، لكنه يفتقد هوية هجومية تُطمئن وتُقنع.
الخصم الذي “ينقذ” الركراكي
ليس صدفة أن تبدو مباريات المغرب أفضل أمام منتخبات مثل السنغال. هذه الفرق تلعب، تهاجم، وتترك مساحات. أي أنها تُعيد الحياة لهوية التحولات التي يُجيدها الركراكي. أما المنتخبات المتكتلة، فهي المرآة التي تعكس حدود هذا الأسلوب.
أزمة تقدير… لا أزمة نوايا
ما يعيشه المنتخب اليوم ليس صراع نوايا، بل خطأ في التقدير. الجامعة راهنت على هوية لا تتناسب مع سياق بطولة ستُلعب على أرض المغرب، حيث الخصوم سيغلقون المساحات، وسيجبرون المنتخب على الإبداع بالكرة لا بدونها.
كرة القدم قاسية، ولا تعترف بالأمجاد السابقة. وليد الركراكي سيظل اسماً مهماً في تاريخ الكرة المغربية، لكن السؤال اليوم ليس عن الماضي، بل عن المستقبل. هل يمكن لهوية التحولات وحدها أن تقود منتخباً مرشحاً للتتويج في بطولة إفريقية على أرضه؟ الواقع الحالي يقول إن الإجابة معقدة… وربما مؤلمة.
- تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على مصادر مفتوحة، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.

التعاليق (0)