في الندوة الصحفية التي سبقت مواجهة المغرب ومالي ضمن مباريات الجولة الثانية من نهائيات كأس أفريقيا 2025، لم يكن حديث البلجيكي طوم سانتفيت مجرد مجاملات معتادة قبل المباريات الكبيرة، بل حمل بين سطوره اعترافًا واضحًا بثقل المنتخب المغربي، ومحاولة ذكية في الوقت نفسه لرسم صورة مختلفة لمنتخب مالي قبل مباراة تبدو معقدة على الورق.
سانتفيت لم يخفِ خيبة الأمل من تعادل منتخب بلاده في الجولة الأولى أمام زامبيا، واعتبره تعثرًا غير متوقع، ما يجعل مواجهة المغرب اختبارًا حقيقيًا لقدرة مالي على تصحيح المسار. غير أن اللافت في تصريحاته هو الطريقة التي وصف بها المنتخب المغربي، إذ ركز على الانضباط الخططي، والقدرة على التكيف مع أساليب لعب مختلفة، كما حدث أمام جزر القمر، وهي نقطة تعكس احترامًا عميقًا للعمل التكتيكي الذي يميز “أسود الأطلس” في السنوات الأخيرة.
المدرب البلجيكي أقرّ بأن أسلوب المغرب يختلف جذريًا عن أسلوب مالي، وهو ما دفع طاقمه للاشتغال بدقة على تحليل المباراة الأولى للمنتخب المغربي، بل والعودة أيضًا إلى تجارب سابقة، مثل مشاركة المنتخب الرديف في كأس العرب. هذا الاعتراف يكشف أن التحضير المالي لم يكن ظرفيًا أو سطحيًا، بل مبنيًا على قراءة شاملة لهوية كروية مغربية باتت واضحة المعالم: تنظيم جماعي، جودة فردية، وانضباط في جميع الخطوط.
ورغم وصفه للمغرب بـ”المرشح فوق العادة”، حاول سانتفيت تمرير رسالة مفادها أن مالي لن تدخل المباراة بعقلية دفاعية بحتة. حديثه عن “دراسة خط الدفاع المغربي بشكل جيد” يوحي بمحاولة البحث عن نقاط ضعف، حتى وإن كانت محدودة، في منظومة أثبتت صلابتها في أكثر من محطة قارية ودولية.
أما استحضاره لمباراة 2019، حين فاز على المغرب بهدف نظيف بنسبة استحواذ لم تتجاوز 21 في المائة، فيحمل دلالتين واضحتين. الأولى هي اعترافه الصريح بأن ذلك الفوز تحقق بأسلوب دفاعي صرف، أو ما سماه مازحًا “ركن الحافلة”. والثانية، وهي الأهم، تأكيده أن هذا الأسلوب لم يعد ممكنًا اليوم مع منتخب مالي الحالي، ولا يتماشى مع قناعاته، حيث شدد على رغبته في لعب كرة هجومية كاملة اعتمادًا على جودة لاعبيه.
في المحصلة، تصريحات سانتفيت تبدو كمزيج بين الواقعية والطموح. فهو يدرك جيدًا أن مواجهة المغرب ليست عادية، ويعترف بتفوقه التنظيمي والفني، لكنه في المقابل يحاول رفع سقف التحدي، وتقديم صورة لمنتخب مالي لا يكتفي بالدفاع أو انتظار الهفوات، بل يسعى لفرض أسلوبه، حتى أمام خصم يُعد من أقوى منتخبات القارة.
ويبقى الميدان وحده الكفيل بالإجابة: هل تنجح الجرأة المالية في إرباك الانضباط المغربي، أم يؤكد “أسود الأطلس” مرة أخرى أنهم يعرفون جيدًا كيف يديرون مثل هذه المباريات؟
- تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على مصادر مفتوحة، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.

التعاليق (0)