في سابقة غير معهودة، عاش المغرب عيد الأضحى هذا العام دون نحر الأضاحي، في امتثال واسع النطاق للقرار التاريخي الذي أعلنه أمير المؤمنين الملك محمد السادس، والقاضي بإلغاء شعيرة الذبح هذا الموسم، حفاظًا على الثروة الحيوانية الوطنية في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
ورغم الإقبال اللافت على اقتناء اللحوم الحمراء خلال الأيام التي سبقت العيد، والتي شكلت بديلاً شعبيًا عن أضحية العيد، فقد كشفت معطيات ميدانية أن القرار الملكي عرف استجابة واسعة من المواطنين، حيث اقتصرت الاحتفالات على الطقوس والعادات الرمزية والاجتماعية المرتبطة بالمناسبة، دون اللجوء إلى الذبح.
ملايين الرؤوس أُنقذت من الذبح
القرار الملكي حال دون نحر أكثر من 5 ملايين رأس من الماشية، وهو رقم كبير كان سيُشكل تهديدًا حقيقيًا لوضعية القطيع الوطني، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالمناخ والجفاف وارتفاع تكاليف الأعلاف. ويمثّل هذا المعطى مكسبًا استراتيجيًا لقطاع تربية الماشية، وضمانًا لتوازنه في المستقبل القريب.
تخفيف العبء المالي عن الأسر المغربية
من بين أهم الأثر الإيجابية للقرار، أنه جنّب الأسر المغربية نفقات تقدّر بأكثر من 18 مليار درهم، كانت تُصرف عادة خلال عيد الأضحى على الأضاحي، مما كان يُرهق ميزانية الأسر، خصوصًا الفئات الهشة. وقد ساهم القرار في التخفيف من الضغط المالي على هذه الأسر، وفي الوقت ذاته ساعد على الحد من تداول الكاش في الأسواق، وهو ما كان يخلق اضطرابات في السيولة ويؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني في كل موسم عيد.
وبحسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن الأسر الهشة كانت تتحمّل عبئًا كبيرًا خلال هذه المناسبة، إذ تصل نفقات العيد إلى ما يعادل 42 في المائة من ميزانية الأسر الأكثر هشاشة، مقابل حوالي 13,3 في المائة لدى الأسر الأكثر يسرا. هذا الفارق يعكس حجم المعاناة التي كانت تعيشها الفئات المحدودة الدخل سنويًا من أجل تأمين الأضحية، حتى لو اقتضى الأمر اللجوء إلى الاستدانة أو التقشف الحاد.
تطور في وعي المجتمع المغربي
تاريخيًا، كانت نسبة الأسر التي لا تقيم شعيرة الذبح في عيد الأضحى تتراوح بين 4 و6 في المائة، لكن الاستقصاءات الأخيرة التي أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى أن هذه النسبة ارتفعت في الفترات السابقة، إذ لم تقم حوالي 7,9 في المائة من الأسر بشعيرة الذبح بين سنتي 2019 و2020، مقابل 9,6 في المائة في المدن و4,1 في المائة في القرى.
وهذا التحول يدل على وجود وعي اجتماعي متزايد بمحدودية الموارد وارتفاع التكاليف، ما سهل تقبّل فكرة إلغاء الذبح لهذا العام، خاصة وأنها جاءت في شكل توجيه ملكي يُراعي مصلحة المواطن والوطن معًا.
عيد بروح التضامن والاقتصاد الوطني
وقد تميّز هذا العيد بعودة التركيز على الجانب الروحي والاجتماعي، حيث تبادل المواطنون التهاني وزاروا الأقارب، وأقاموا طقوسًا بديلة تعبّر عن الفرحة والارتباط بالمناسبة، دون ذبح. كما شهدت الأسواق والمراكز التجارية إقبالًا كبيرًا على اللحوم والمواد الغذائية، في مشهد عكس مرونة المجتمع المغربي وقدرته على التأقلم مع المستجدات دون فقدان المعنى الرمزي للعيد.
وهكذا، يكون القرار الملكي قد شكّل نقطة تحول في كيفية تعاطي المغاربة مع عيد الأضحى، مقدّمًا نموذجًا فريدًا في التوازن بين الدين، والاقتصاد، والحفاظ على الثروة الحيوانية، دون المساس بجوهر المناسبة وروحها.
التعاليق (0)