إسبانيا: علاقات تاريخية معقدة ومستقبل مشترك. على الرغم من دعم إسبانيا لمبادرة الحكم الذاتي، تستغل بعض الأحزاب ملف الصحراء انتخابيًا. العلاقات المغربية-الإسبانية في ذروتها، لكن موقف إسبانيا من الصحراء أقل وضوحًا. المقال يدعو إلى إفراج إسبانيا عن أرشيفها و معالجة الثغرات في المبادرة المغربية (غياب الأحزاب، ضعف الدعم، غياب تنسيق، ضعف دبلوماسية). الهدف: تبني إسباني استراتيجي يعزز الشراكة وموقع المغرب.
بقلم: هشام السونسي
على الرغم من التحوّل الجوهري في موقف إسبانيا الداعم لمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، ما تزال بعض الأحزاب الإسبانية و في مقدمتها الحزب الشعبي و”فوكس” و”سومار” تستعمل هذا الملف كورقة انتخابية تُستحضر عند الحاجة، أكثر مما تعبّر عن مواقف مبدئية مستقرة.
و في الجهة المقابلة، تعيش العلاقات المغربية–الإسبانية اليوم أفضل لحظاتها تاريخيًا. فبحسب مسؤولي البلدين، بلغت هذه العلاقات “ذروتها”، بفضل تعاون اقتصادي يتجاوز 24 مليار يورو، و تنسيق أمني غير مسبوق، و شراكات فعالة في تدبير الهجرة. وقد تحوّل هذا الزخم إلى نموذج إقليمي للشراكة المبنية على الثقة المتبادلة و الدينامية الإيجابية.
و مع ذلك، يبقى الموقف الإسباني من ملف الصحراء أقل وضوحًا وحسمًا مقارنة بمواقف شركاء رئيسيين للمغرب مثل فرنسا و الولايات المتحدة و بريطانيا.
و تمتلك الدولة الإسبانية أرشيفًا ثريًا و حاسمًا يؤكد مغربية الصحراء: من وثائق مؤتمر الجزيرة الخضراء، إلى سجلات مخططات فرانكو، وصولًا إلى الأرشيف السري المتعلق بمحاولات تقاسم الصحراء بين الجزائر و إسبانيا و فرنسا. و هنا يبرز سؤال محوري:
هل حان الوقت كي تُفرج مدريد عن هذه الوثائق، بما قد يضع حدًا لعقود من الغموض السياسي؟
ثغرات في المبادرة المغربية
و رغم غياب أي مانع قانوني أو سياسي لتنظيم ندوات ولقاءات مع مسؤولين و شخصيات إسبانية، إلا أن المبادرة المغربية ما تزال تعاني من عدد من الثغرات، أبرزها:
- غياب الحضور القوي للأحزاب السياسية و البرلمانيين المغاربة في التأثير داخل الساحة الإسبانية، سواء لدى المسؤولين أو الإعلام أو المجتمع المدني.
- ضعف دعم وزارة الخارجية لمبادرات النخب و جمعيات المجتمع المدني العاملة على تعزيز العلاقات الثنائية.
- غياب مؤسسة مركزية تُنسّق الجهود الأكاديمية و الدبلوماسية و المجتمعية الموجهة نحو إسبانيا.
- ضعف الدور الاتصالي للسفارة المغربية في مدريد، التي تفتقر إلى نَفَس هجومي في مجال الدبلوماسية العمومية (Public Diplomacy).
- غياب شراكات منتظمة مع كبريات الصحف الإسبانية رغم تأثيرها الكبير في تشكيل الرأي العام.
- ضعف الارتباط المؤسسي بين مراكز البحث المغربية و نظيراتها الإسبانية رغم الحاجة إلى إنتاج معرفة مشتركة مؤثرة في صانع القرار.
نحو تبنٍّ استراتيجي للموقف الإسباني
إن معالجة هذه الثغرات، و تفعيل دور الأحزاب و البرلمانيين والنخب الأكاديمية والمجتمع المدني في الزيارات و اللقاءات و المبادرات المشتركة، من شأنه أن ينقل الموقف الإسباني من دعم سياسي مشروط إلى تبنٍّ استراتيجي ثابت.
و هو تحول سيعكس عمق الشراكة المغربية–الإسبانية، و يعزز موقع المغرب في النقاش الإقليمي و الدولي حول قضية الصحراء.
- كاتب ومدن مغربي

التعاليق (0)