بقلم: نصر الله البوعيشي

” إذا أردت السلام فاستعد للحرب ” 

مقولة لاتينية   

 لا يكاد النظام الجزائري في شخص رئيسه يفوت أية فرصة ولو على هامش نقاش رياضي لتهديد المغرب وتحميله مسؤولية ما وصلت إليه بلادهم من تردي على جميع الأصعدة، ولا يكتفي هذا النظام المريض بالتهديد والوعيد الشفهي بل إنه يقوم بإجراءات عملية استعدادا لتنفيذ وعيده ومن ذلك: أنه قام مؤخرا بعقد اتفاق للدفاع المشترك بينه وبين جبهة البوليساريو الانفصالية.

كما  طالب المغرب بإخلاء منطقة الكركرات وقام  بتحريك بعض من ترسانته العسكرية الثقيلة في اتجاه الحدود الشرقية للمملكة، وقام بإعداد مطار تندوف المغربية لهبوط واقلاع الطائرات الحربية وطائرات الشحن العسكرية. كما تقوم قواته ودركه وحراس الحدود بين الفينة والأخرى بالتحرش بأهالي المنطقة الحدودية ومطالبتهم بإخلاء المنطقة. وتوج هذه الاستفزازات بغلق الحدود البرية والجوية وسحب السفير.

نصر الله البوعيشي
نصر الله البوعيشي

وفي خبر جديد ورسمي وعلى إثر الهزيمة المدوية والقاسية التي ألحقها بهم القرار الأممي الأخير الذي سفه أحلامهم، قام الجيش الجزائري بنشر منظومة صواريخ على الحدود مع المملكة. وخارج المنطقة  كانت العصابات التابعة للجزائر وراء مقتل سائقين مغربيين بمالي  بهدف ترهيب التجار المغاربة الذين  يجوبون دول الساحل والصحراء، يضاف إلى هذا كله الرحلات المكوكية لرئيس الدبلوماسية الجزائرية وللوزير المكلف بملف الصحراء في مختلف القارات في محاولات يائسة لحشد التأييد للأطروحة الانفصالية التي عفا عنها الزمن و تجاوزتها الأحداث و لنسف مجهودات المغرب وتدخلاته الناجحة  في حل النزاعات و الخلافات الدولية وتبخيس دوره  الكبير في رأب الصدع في كثير من نقط التوتر عبر العالم في إطار ديبلوماسية واقعية ورصينة وهادئة، وفي مقدمتها إسهامه المعترف به دوليا  في حلحلة الملف الليبي، كما تحاول الجزائر الصاق تهمة دعم الارهاب للمغرب وهو المشهود لمخابراته في التصدي للارهاب الدولي ونجاحه الملفت في كشف مخططات إرهابية كانت ستلحق أذى كبيرا ببعض كبريات الدول.

إذن نحن أمام دولة يسيطر عليها نظام عسكري فاشيستي يتربص بالمغرب الدوائر  ويستفزه و يحاول جره بشتى الطرق  الى المواجهة العسكرية، لأسباب منها ما هو ظاهر كملف الصحراء والنجاحات الباهرة التي حققها المغرب في هذا المضمار سواء على صعيد تنمية الأقاليم الجنوبية المسترجعة  أو توالي الاعترافات الدولية وفتح القنصليات بالعيون والداخلة وإشادة المنتظم الأممي بواقعية مقترح الحكم الذاتي كما هو معبر عنه في القرار الأممي الأخير الصادر بتاريخ 31 اكتوبر 2021 تحت عدد 2602، ومنها ما يتعلق بالريادة المغربية إقتصاديا وسياسيا على الصعيد الافريقي وسطوع نجم المغرب كقوة اقتصادية واعدة  ونجاح استراتيجيته المبنية على نهج سياسة رابح-رابح هذه الاستراتيجية التي ربما  أغاضت حتى ماما فرنسا التي تعتبر أفريقيا حديقتها الخلفية. ومنها التنمية التي يعرفها المغرب والتي إن لم تكن في مستوى طموحاتنا  فهي على الأقل أحسن بكثير مما يعيشه اشقاؤنا في الجزائر من معاناة في طوابير يومية للظفر بعلبة حليب أو حبة بطاطس… وقد  أضافت الجزائر مؤخرا إلى قائمة أسباب معاداة المغرب الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه واعتبار تطبيع العلاقات مع إسرائيل موجه ضدها.

وهناك أسباب أخرى قديمة منها:

  • إحساس العسكر بالحكرة من هزيمة حرب الرمال هذا الاحساس الذي تحول إلى عقدة نفسية رغم مرور نصف قرن على ذلك.
  • خوف حكام قصر المرادية من مطالبة المغرب باسترجاع أراضيه التي تنصلت الجزائر من الاتفاقيات التي أبرمت بشأنها مع المغرب، وهذا التخوف تتقاسمه الجارة الشرقية مع الجارة الشمالية ومن تجليات التقارب بينهما توتر العلاقات المغربية الإسبانية، وقد عرت فضيحة بن بطوش وما تلاها من تداعيات أمام العالم التواطؤ المكشوف بين الطرفين.

مؤخرا يطلع علينا يوميا الرئيس الجزائري المعين من طرف العسكر محطما الرقم القياس العالمي في الندوات واللقاءات الصحفية التي يعقدها رئيس دولة فيما يشبه برامج “روتيني اليومي” التافهة، محور خرجاته الدونكيشوتية  التلويح بالحرب ضد المغرب والاشادة ب:” القوة  الضاربة” لبلده.

توالي التهديدات المبطنة لدمية العسكر وصنيعته للرئيس الجزائري بإشعال فتيل الحرب وتحرشاته اليومية واتهاماته الباطلة للمغرب بتنفيذ اعمال  لعدائية ضدها، تهديدات يجب علينا ان نحملها على محمل الجد، وخصوصا وأن كل المؤشرات تدل على أن حكام الجزائر “ناويين على خزييت”، وأعتقد أنهم لن يكفوا عن غيهم ولن يعودوا إلى رشدهم – حسب اعتقادي-  إلا بواحدة من الأمور الثلاثة الآتية:

  • ثورة ضباط احرار يرفضون الزج بالجيش الجزائري في حرب مع شعب جار وشقيق حول قضايا لا تهمهم ولا تمس بوحدة وطنهم ولا تهدد أمن شعبهم.
  • اندلاع ثورة شعبية عارمة ترجع العسكر إلى ثكناتهم وتسلم مقاليد الأمور إلى المدنيين وتنظم إنتخابات حرة ونزيهة ينتخب فيها الشعب الجزائري من يمثله، علما بان واحدة من أسباب اندلاع الحراك الحالي الذي تجابهه العسكر بالحديد والنار بالإضافة الى ما يعانيه الشعب من جوع وبطالة رفضه العداء الذي يكنه حكامهم للمغرب وحملاتهم المغرضة ضده واتهاماتهم الباطلة.
  • اشتعال حرب مع المغرب، المغرب الذي سيكون في هذه الحالة مضطرا للدفاع عن نفسه وعن أرضه وعن وشعبه وهي حرب سيتلقى فيها النظام الجزائريلا محالة  نفس الدروس التي تلقاها سابقا في حرب الرمال وفي أمكالة التي أسر فيها شنقريحة وفي  امهريز وفي الحوزة وفي المحبس و في الكلتة وفي الزاك… وآخرها صفعة  الكركرات، معارك انتصر فيها الجيش المغربي البطل على جيوش عدة وعلى مرتزقة جاؤوا من كل حدب وصوب تحت مسمى البوليساريو التي ما هي الا مليشيات جزائرية مدربة ومسلحة  بجميع انواع الاسلحة التي كان يوفرها البترودولار الجزائري والليبي لمعاكسة حق المغرب في استكمال وحدته الترابية.

فإذا قدر الله و اندلعت هذه الحرب – وهو ما لان نتمناه، فقد تكون سببا في سلام أبدي مع جارنا الشرقي لنتفرغ جميعا لبناء الوطن ورفاهية المواطنين ونبني جميعا المغرب الكبير الذي طالما حلمت به شعوب المنطقة، فأحيانا تكون الحرب جندا من جنود السلام.

واعتقد أن الجزائر متأكدة  ومتيقنة أنها ستخرج منهزمة من أي نزال مع المغرب لأن ربح معركة ليس رهينا بكمية وبنوعية الأسلحة وبعدد الحلفاء فقط  بل هي رهينة بإيمان من بيدهم قرار الحرب بعدالة القضية التي يقاتلون من أجلها والمغربي مستعد لبذل نفسه من أجل أرضه، فعلام سيخوض إخواننا في الجيش الجزائري هذه الحرب؟ وضد من؟ ولفائدة من ؟

إيماننا وتأكدنا من انتصارانا مبعثه عدالة قضيتنا وثقتنا  في قدرات جيشنا وفي تجربته وحنكته واحترافيته و وطنيته قبل كل شيء واستعداده الدائم للتصدي لكل عدوان غاشم  يتهدد حوزة وطنه.

ولكن  جاهزية الجيش وولاءه للوطن لا تكفي، بل لابد من حماية ظهره وشحذ عزيمته وذلك بتقوية الجبهة الداخلية،… باعتبارها أفضل استعداد دفاعي ضد الأخطار الخارجية، فالجبهة الداخلية كانت ولا تزال هي الحصن الحصين لهذا البلد، ولنا في صمود الشعب المغربي وتحمله خسائر مادية وبشرية جسيمة في سبيل استرجاع واستقرار وتنمية الصحراء خير مثال، لذلك أعتقد بأن المهمة الأكبر للدولة  هي تعزيز هذه الجبهة، وهذا يتطلب تحقيق انفراج سياسي داخلي و طي صفحة الاعتقال السياسي، كما أن الجبهة القوية المتراصة قوامها  مواطن يتمتع بكافة حقوق المواطنة و قضاء نزيه يقف جميع  المواطنين أمامه سواسية لا فرق في ذلك بين غنيهم وفقيرهم، قضاء مستقل قادر على فتح ملفات الفساد ومعاقبة المفسدين، جبهة داخلية أساسها  توزيع عادل لمقدرات البلاد، وإشراك فعلي لقوى المجتمع المدني في تدبير الشأن العام.

الجبهة الداخلية القوية كذلك عنوانها اطمئنان جنودنا البواسل في الثغور بأن أسرهم في أيادي آمينة وأن تعليمهم مضمون وتمريضهم مضمون وشغلهم مضمون، جبهة داخلية تعترف بتضحيات متقاعدي ومعطوبي القوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة الذين أبلوا البلاء الحسن والذين قضوا زهرة شبابهم في الخنادق في تخوم الصحراء للدود عن حوزة الوطن، والاهتمام بأراملهم وأبنائهم و والديهم والرفع من قيمة معاشهم خصوصا مع الغلاء الصاروخي الذي تعرفه الأسعار.

وقد أبانت دراسة أعدتها  منظمة “غالوب” الأمريكية، بأن الشعب المغربي يحتل المرتبة الأولى عالميا كشعب مستعد للتضحية بكل ما أوتي من أجل الدفاع عن ثوابت الوطن ووحدته، في حال وجود خطر يتهدده.

ولكن  دعونا نتساءل من أجل  أي وطن سيضحي المواطن المغربي؟ أمن أجل وطن الحرية و العدالة و المساواة وتكافؤ الفرص؟ أم من أجل وطن  لا يحاسب مفسدوه و تنعم فيه  فئة قليلة بخيراته وترواثه، في حين يستجدي الكادحون قوت يومهم في الطرقات ويموت مرضاهم  في ابواب المستشفيات ويلقي شبابهم بأنفسهم في قوارب الموت أو الارتماء في أحضان الجريمة والمخدرات والانحراف هروبا من البطالة والتهميش والحكرة ؟

إن الوطن الحقيقي والوطنية الحقة، توجد هناك في الثغور وفي ساحة القتال، والوطن ليس صالونات مؤثثة ومكيفة وكوستيمات ورباطة عنق  وجلباب  وسلهام أبيض وبلغة صفراء وطربوش أحمر و سيارات فارهة وقصور وخدم وحشم. والوطنية ليست عبارات منمقة جوفاء و أناشيد تتغنى على نغمات قرع الكؤوس، الوطن لخصه الفيلسوف جاك جاك روسو عندما سئل يوما، ما هو الوطن ؟ فأجاب :الوطن هو المكان الذي لا يبلغ فيه “مواطن” من الثراء ما  يجعله قادرا على شراء مواطن آخر، ولا يبلغ فيه “مواطن” من الفقر ما يجعله مضطرا ان يبيع نفسه وكرامته… والوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور والانتماء،  الوطن هو الدفء والاحساس بالكرامة.. ليس الوطن ارضا فقط، ولكنه الارض والحق معا…“.

الوطنية ليست مجرد وعود هلامية  وكلام  معسول وخطب رنانة تلقى جزافا هنا وهناك. الوطنية ليست انتماء لرقعة جغرافية وكفى.

الوطنية سلوك وعمل و تضحية و قيام بالواجب أحسن قيام، الوطنية نزاهة وصدق وعدل ومساواة، الوطنية تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين ذكورا و إناثا اغنياء وفقراء، الوطنية توزيع عادل لثروات الوطن، الوطنية بذل وعطاء ونكران ذات، الوطنية وقوف في وجه الظلم ودفاع عن المظلومين وانتصار للحق والعدل….

و الوطنية الحقة إضافة الى كل ما سبق هي أن نعد العدة وفي مقدمتنا زعماؤنا السياسيون وأغنياؤنا وكل أولائك الذين هرولوا لالتقاط  الصور بالكركرات لأخذ الصور التذكارية عند مدخلها بعد أن حررها الجنود الأشاوس في رمشة عين، لمجابهة جار السوء العدو الجزائري الشقيق  الذي  يكره أن يرانا آمنين مستقرين، والذي لا يدخر أي جهد لفرملة تقدمنا وازدهارنا وعرقلة أي حل لقضيتنا الوطنية الأولى وآخر ما تفتقت عنه عبقريته التلويح بعدم حضور الموائد المستديرة التي تصر المنظمة الاممية على حضوره كطرف رئيسي فيها والوطنية هي التصدي لهذا الجار  الذي ابتلينا به و الذي لو كان بمقدوره لقطع علينا ليس الغاز فقط بل الماء والهواء.

لا أتمنى أن تقوم أية حرب معه ولا مع غيره، لأننا بلد يجنح إلى السلم و لأنه لا يوجد رابح في الحرب، فحتى المنتصر يخسر كثيرا. ولكن إذا كان ولا بد فجيشنا جاهز وعلى اتم الاستعداد وقد أفشل محاولات يائسة للجزائر وصنيعتها ومعهم مرتزقة فاغنر الروسية التي دخلت مؤخرا على الخط وخبراء إيران ومقاتلي حزب الله الذين رصدت المخابرات تواجدهم في العاصمة الجزائرية وفي مخيمات العار، وكل ما نتمناه هو أن تكون الجبهة الداخلية في أعلى درجات الأهبة و الاستعداد، كما قال مارتن لوثر كينج:

  ” هؤلاء الذين يحبون السلام عليهم أن يتعلموا التنظيم بكفاءة وفعالية مثل أولئك الذين يحبون الحروب”.

المقالات الأكثر قراءة

التعليقات مغلقة.