الفشل الكلوي المزمن.. اكتشاف سحري لتشخيص وعلاج المرض في التفاصيل، في إنجاز علمي وُصف بأنه “سابقة عالمية” قد تُحدث ثورة في عالم الطب، تمكن فريق من العلماء من كشف سرٍّ طال انتظاره، بتحديد جزء دقيق من الحمض النووي الريبي، يُعرف باسم “مايكرو آر إن إيه”، يتواجد في الدم ويمتلك قدرات خارقة على حماية الأوعية الدموية الصغيرة ودعم وظائف الكلى بشكل مذهل حتى بعد تعرضها لإصابات بالغة. هذا الاكتشاف المزلزل يفتح آفاقاً غير مسبوقة للتشخيص المبكر والوقاية، وربما علاج، مرض الفشل الكلوي المزمن الذي يهدد حياة الملايين حول العالم.
وتكمن خطورة إصابات الكلى، الناتجة غالباً عن انقطاع مؤقت لتدفق الدم واستعادته، في أنها تؤدي إلى تدمير وانخفاض عدد الأوعية الدموية الصغيرة الحيوية، مما يُسبب خللاً كارثياً في وظائف الكلى، ويعتبر فقدان هذه الأوعية مؤشراً مرعباً على الدخول في دوامة الفشل الكلوي المزمن.
وحتى الآن، لم يكن هناك أي مؤشر حيوي معروف وموثوق به للتحقق من صحة هذه الأوعية الدموية الدقيقة، مما أعاق تطوير أساليب علاجية فعالة ومُستهدفة للحفاظ على وظائف هذا العضو النبيل.
الدراسة الصاعقة، التي أجراها باحثون من جامعة مونتريال في كندا ونُشرت نتائجها مؤخراً في مجلة “جيه سي آي إنسايت” المرموقة، كشفت أن هذا “المايكرو آر إن إيه” (المؤشر الحيوي الجديد) هو جزيء صغير من الحمض النووي الريبي أحادي السلسلة، يعمل كمنظم دقيق للتعبير الجيني.
وصرحت الدكتورة ماري جوزيه هيبرت، طبيبة أمراض الكلى وزراعة الكلى والباحثة المشاركة في الدراسة، بأن هذا الاكتشاف سيمكن الأطباء من تقييم حالة الأوعية الدموية الصغيرة لدى المرضى الأكثر عرضة للخطر، مثل كبار السن أو الذين يخضعون لعمليات جراحية حرجة كزرع الأعضاء أو التدخلات القلبية الوعائية، في وقت أبكر بكثير، مما قد ينقذ حياتهم.
ولكن المفاجأة الأكبر التي فجرها فرانسيس مينيولت، المؤلف المشارك للدراسة، هي أنه بعد ملاحظة مستويات متقلبة من هذا “الجزيء السحري” في دم الفئران المصابة بإصابات كلوية حادة، وتأكيد هذه النتائج لدى 51 مريضاً خضعوا لزراعة الكلى، تم التوصل إلى ما هو أبعد من التشخيص. يقول مينيولت: “الأمر المذهل حقاً هو أنه بحقن هذا المايكرو آر إن إيه في فئران تعاني من إصابات في الكلى، تمكنا ليس فقط من الحفاظ على الأوعية الدموية الصغيرة، بل والحد بشكل كبير من الضرر الذي يلحق بالكلى!”.
وبينما يعتبر الحقن المباشر في الكلى أثناء عملية الزرع طريقة مجدية طبياً لحماية ما تبقى من الأوعية الدموية الصغيرة، يركز العلماء الآن على ابتكار تقنيات بديلة لنقل هذا “الإكسير” إلى الكلى بشكل آمن وفعال. ولا تتوقف الآمال عند مرضى الكلى فحسب، بل قد يكون الاختبار القائم على هذا “المايكرو آر إن إيه” مفيداً أيضاً للمرضى الذين يعانون من قصور القلب أو قصور الرئة أو بعض الأمراض العصبية التنكسية، حيث يلعب فقدان الأوعية الدموية الصغيرة دوراً محورياً. وكما أكدت الدكتورة هيبرت، فإن لهذا الاكتشاف القدرة على إحداث تأثير جذري على صحة البشرية جمعاء.
التعاليق (0)