*بقلم: الدكتور أحمد درداري

لقد أثارت المادة 9 من قانون المالية 2020 جدلا ونقاشا واسعا من قبل السياسيين والقانونيين لاسيما وأنها غير دستورية وتمس بدولة الحق القانون سواء تعلق الأمر بحق المواطن في مواجهة الدولة أو في ما يتعلق بتعطيل وظيفة القضاء وايقاف تنفيذ الأحكام القضائية الذي يعتبر اختصاصا قضائيا لا يمكن التطاول عليه، كما تعاكس دور الملك بصفته الضامن لاستمرار المؤسسات وكذا مضامين الخطب الملكية وذلك في غياب تفعيل دور المحكمة الدستورية الذي يعتبر أساسيا للحرص على دستورية القوانين، ومن جهة أخرى فهي تعكس تقصير في دور البرلمان الرقابي للحكومة والتزامه بالتوكيل السياسي وأمانة تمثيله للشعب.

ان ايقاف تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في حق الادارة والمتعلقة بالحجز على أموال الدولة والادارة العمومية والجماعات الترابية يفسر بالعبث التشريعي حتى وان كان الدافع حسن النية المتمثل في ايقاف السلوكات التي يعتدي من خلالها بعض السماسرة في علاقتهم ببعض رجال الادارة على حقوق المواطنين وانتزاع حقوقهم باسم المصلحة العامة، حيث أحيانا، يحول ذلك لمصالحهم الشخصية، حيث ينبغي أن تسن الحكومة قانون يمنع السمسرة ويمنع بعض رجال الادارة من المساس بحقوق المواطنين حتى لا يلجأ أحد الى القضاء ولا يترتب عن ذلك أي حجز لأموال وممتلكات الدولة.

ويأتي تناولنا لوقع المادة 9 أعلاه على مفهوم الدولة من خلال فقرات ستة كما يلي: صيغتها تعارضها مع الضمانات الدستورية الممنوحة للملك ومتعارضة مع الدستور وماسة باستقلال القضاء وضاربة في توجيهات الملك وبطلانها مهمة قضائية، كما يمكن الدفع ببطلانها عن طرق عريضة.

الفقرة الأولى: صيغة المادة 9 من قانون المالية 2020 .

لقد نصت المادة 9 على ما يلي: ” يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء الا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية.

وفي حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به يدين الدولة بأداء مبلغ معين يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه ستون يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية.

يتعين على الآمرين بالصرف ادراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الامكانيات المتاحة بميزانياتهم، واذا ادرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الآمر بالصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية. على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة.

غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية.
الفقرة الثانية: المادة 9 تعاكس الضمانات الدستورية الممنوحة للملك وتعارض حرصه على انجاح المرحلة.

قال جلالة الملك في خطاب العرش 2019: ان المرحلة الجديدة، التي نحن مقبلون عليها، حافلة أيضا بالعديد من التحديات والرهانات الداخلية والخارجية، التي يتعين كسبها؛ وفي مقدمتها:
أولا : رهان تو طيد الثقة والمكتسبات : لكونها أساس النجاح، وشرط تحقيق الطموح : ثقة المواطنين فيما بينهم ، وفي المؤسسات الوطنية، التي تجمعهم، والإيمان في مستقبل أفضل.

ثانيا : رهان عدم الانغلاق على الذات.

فالانفتاح هو المحفز لجلب الاستثمارات، ونقل المعرفة والخبرة الأجنبية. وهو الدافع لتحسين جودة ومردودية الخدمات والمرافق، والرفع من مستوى التكوين، وتوفير المزيد من فرص الشغل..

وقد عبرت العديد من المؤسسات والشركات العالمية، عن رغبتها في الاستثمار والاستقرار بالمغرب.

وبقدر ما يبعث ذلك على الارتياح، للثقة التي يحظى بها المغرب، فإن القيود التي تفرضها بعض القوانين الوطنية، والخوف والتردد ، الذي يسيطر على عقلية بعض المسؤولين؛ كلها عوامل تجعل المغرب أحيانا، في وضعية انغلاق وتحفظ سلبي.
فالذين يرفضون انفتاح بعض القطاعات، التي لا أريد تسميتها هنا، بدعوى أن ذلك يتسبب في فقدان مناصب الشغل، فإنهم لا يفكرون في المغاربة، وإنما يخافون على مصالحهم الشخصية..

بل بالعكس ، فإن الاستثمار الأجنبي في هذه القطاعات، سيدعم جهود الدولة، ليس فقط في توفير الشغل، وإنما أيضا في تحفيز التكوين الجيد، وجلب الخبرات والتجارب الناجحة…
كما يتطلب الرفع من نجاعة المؤسسات ، وتغيير العقليات لدى المسؤولين.
فالقطاع العام يحتاج، دون تأخير، إلى ثورة حقيقية ثلاثية الأبعاد : ثورة في التبسيط، وثورة في النجاعة، وثورة في التخليق.

وقد سبق أن دعوت إلى ضرورة تغيير وتحديث أساليب العمل، والتحلي بالاجتهاد والابتكار في التدبير العمومي.

رابعا : رهان العدالة الاجتماعية والمجالية : لاستكمال بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع.
مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات..
لذا، يجب إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص.

وقال في خطاب العرش 2018:
ان نجاح هذه المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية، في إعطاء نفس جديد، لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
كما يتطلب التعبئة الجماعية، وجعل مصالح الوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار، حقيقة ملموسة، وليس مجرد شعارات.

وإلى جانب الدور الهام، الذي يجب أن تقوم به مختلف المؤسسات الوطنية، أريد هنا، أن أؤكد على ضرورة انخراط المواطن المغربي، باعتباره من أهم الفاعلين في إنجاح هذه المرحلة.

لذا، أدعو جميع المغاربة، للمساهمة الإيجابية فيها، بروح المواطنة الفاعلة؛ لأن النتائج التي نطمح إليها، والمشاريع والمبادرات، التي نقدم عليها، لها هدف واحد هو : تحسين ظروف عيش المواطنين

وإني واثق أنهم لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية، وبائعي الأوهام، باستغلال بعض الاختلالات، للتطاول على أمن المغرب واستقراره، أو لتبخيس مكاسبه ومنجزاته. لأنهم يدركون أن الخاسر الأكبر، من إشاعة الفوضى والفتنة، هو الوطن والمواطن، على حد سواء.

ذلك أن قضايا المواطن لا تقبل التأجيل ولا الانتظار، لأنها لا ترتبط بفترة دون غيرها. والهيئات السياسية الجادة، هي التي تقف إلى جانب المواطنين، في السراء والضراء.

فالمنتظر من مختلف الهيئات السياسية والحزبية، التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات، التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث.

وقال جلالته في خطاب العرش 2017:
فالتطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة.

فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة.

أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه.
وهو ما يجعل المواطنين يشتكون لملك البلاد، من الإدارات والمسؤولين الذين يتماطلون في الرد على مطالبهم، ومعالجة ملفاتهم، ويلتمسون منه التدخل لقضاء أغراضهم.
والواجب يقتضي أن يتلقى المواطنون أجوبة مقنعة، وفي آجال معقولة، عن تساؤلاتهم وشكاياتهم، مع ضرورة شرح الأسباب وتبرير القرارات، ولو بالرفض، الذي لا ينبغي أن يكون دون سند قانوني، وإنما لأنه مخالف للقانون، أو لأنه يجب على المواطن استكمال المساطر الجاري بها العمل.

وأمام هذا الوضع، فمن الحق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء و القناصل، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟. فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين ، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل.
و إذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟

لكل هؤلاء أقول:” كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة ، وإما أن تنسحبوا.

ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم، رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله، والوطن، والملك، ولا يقومون بواجبهم؟ ألا يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسؤول، إذا ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه؟ وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.

لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب ان يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة.
إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب.

إني ألح هنا، على ضرورة التفعيل الكامل والسليم للدستور. كما أؤكد أن الأمر يتعلق بمسؤولية جماعية تهم كل الفاعلين، حكومة وبرلمانا، وأحزابا، وكافة المؤسسات، كل في مجال اختصاصه. ومن جهة أخرى ، عندما يقوم مسؤول بتوقيف أو تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي، لحسابات سياسية أو شخصية، فهذا ليس فقط إخلالا بالواجب، وإنما هو خيانة، لأنه يضر بمصالح المواطنين، ويحرمهم من حقوقهم المشروعة .

ومما يثير الاستغراب ، أن من بين المسؤولين، من فشل في مهمته. ومع ذلك يعتقد أنه يستحق منصبا أكبر من منصبه السابق.

فمثل هذه التصرفات والاختلالات ، هي التي تزكي الفكرة السائدة لدى عموم المغاربة، بأن التسابق على المناصب، هو بغرض الاستفادة من الريع، واستغلال السلطة والنفوذ. إن بعض الأحزاب تعتقد أن عملها يقتصر فقط على عقد مؤتمراتها، واجتماع مكاتبها السياسية ولجانها التنفيذية، أو خلال الحملات الانتخابية.

أما عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع المواطنين، وحل مشاكلهم، فلا دور ولا وجود لها. وهذا شيء غير مقبول، من هيئات مهمتها تمثيل وتأطير المواطنين، وخدمة مصالحهم.
ولم يخطر لي على البال، أن يصل الصراع الحزبي، وتصفية الحسابات السياسوية، إلى حد الإضرار بمصالح المواطنين.

إلا أننا لاحظنا تفضيل أغلب الفاعلين، لمنطق الربح والخسارة، للحفاظ على رصيدهم السياسي أو تعزيزه على حساب الوطن، وتفاقم الأوضاع.

إن تراجع الأحزاب السياسية وممثليها، عن القيام بدورها، عن قصد وسبق إصرار أحيانا، وبسبب انعدام المصداقية والغيرة الوطنية أحيانا أخرى قد زاد من تأزيم الأوضاع إن النموذج المؤسسي المغربي من الأنظمة السياسية المتقدمة. إلا أنه يبقى في معظمه حبرا على ورق، والمشكل يكمن في التطبيق على أرض الواقع. وإني أحرص كل الحرص على احترام اختصاصات المؤسسات، وفصل السلط.

ولكن إذا تخلف المسؤولون عن القيام بواجبهم، وتركوا قضايا الوطن والمواطنين عرضة للضياع، فإن مهامي الدستورية تلزمني بضمان أمن البلاد واستقرارها، وصيانة مصالح الناس وحقوقهم وحرياتهم.

وفي نفس الوقت، فإننا لن نقبل بأي تراجع عن المكاسب الديمقراطية. ولن نسمح بأي عرقلة لعمل المؤسسات. فالدستور والقانون واضحان، والاختصاصات لا تحتاج إلى تأويل.
وعلى كل مسؤول أن يمارس صلاحياته دون انتظار الإذن من أحد. وعوض أن يبرر عجزه بترديد أسطوانة “يمنعونني من القيام بعملي”، فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد.
فالمغرب يجب أن يبقى فوق الجميع، فوق الأحزاب، وفوق الانتخابات، وفوق المناصب الإدارية.
وقال جلالته في خطاب العرش 2016:
بصفتي الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنني لا أشارك في أي انتخاب، ولا أنتمي لأي حزب. فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون.
إننا أمام منا سبة فاصلة لإعادة الأمور إلى نصا بها : من مر حلة كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة ، إلى مر حلة تكون فيها الكلمة للمواطن، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته، في اختيار ومحا سبة المنتخبين.

إن تمثيل المواطنين في مختلف المؤسسات والهيئات، أمانة جسيمة. فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحر ص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار.
وكما أكدنا ذلك عدة مرات، فإن القيام بالمسؤولية، يتطلب من الجميع الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه منذ أن تولينا العرش.

والمفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القا نون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا، عن طريق الانتخاب، وكسب ثقة المواطنين.

كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.

وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات.
فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضر ب بقوة على أيدي المفسدين.

وخير دليل على ذلك، تزايد عدد الشركات الدولية، ك “بوجو” مثلا، والشركات الصينية التي ستقوم بإنجاز المشروع الاستراتيجي للمنطقة الصناعية بطنجة، على مساحة تتراوح بين 1000 و2000 هكتا ر، وكذا الشركات الروسية وغيرها، التي قررت الاستثمار في المغرب، وتصرف الملايين على مشاريعها.

هذه الشركات لا يمكن أن تخاطر بأموالها دون أن تتأكد أنها تضعها في المكان الصحيح. بل إنها تعرف وتقدر الأمن والاستقرار، الذي ينعم به المغرب، والآفاق المفتوحة أمام استثماراتها.

كما أن العديد من الشركات العالمية، عبرت عن اهتمامها بالاستثمار في مشروع ” نور – ورزازات”، الذي يعد أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم.

كما يتزايد عدد الأجانب، الذين يختارون المغرب للإقامة والاستقرار، وخاصة من فرنسا وإسبانيا. ومنهم من يقوم بإحداث شركات خاصة.

فهؤلاء الأجانب يعيشون في أمن واطمئنان، في ظل حماية أمير المؤمنين، وتحت مسؤولية الدولة المغربية، إضافة إلى أن المغاربة يعاملونهم بكل ترحيب وتقدير.
وقال جلالته في خطاب العرش 2015:

إن مذهبنا في الحكم يقوم على خدمة المواطن، وتحصين هويته، وصيانة كرامته، والتجاوب البناء مع تطلعاته المشروعة.
ومن منطلق العهد المشترك بيننا، فإن خديمك الأول سيظل حريصا على مواصلة العمل الجماعي، من أجل مغرب الوحدة والتنمية، والمساواة في الحقوق والواجبات، وفي الاستفادة من خيرات الوطن.
وقال جلالته في خطاب العرش 2014:
فلا أحد يمكنه أن ينكر التطور الديمقراطي، الذي يجسده دستور 2011، ومنظومة الحقوق والحريات التي تتوفر عليها بلادنا.

فقد سبق للبنك الدولي أن أنجز في 2005 و2010 دراستين لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة، من بينها المغرب. وقد تم تصنيف بلادنا في المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي، وبفارق كبير عن بعض دول المنطقة.

غير أنني بعد الاطلاع على الأرقام والإحصائيات، التي تتضمنها هاتين الدراستين، والتي تبرز تطور ثروة المغرب، أتساءل باستغراب مع المغاربة : أين هي هذه الثروة ؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط ؟

وقال جلالته في خطاب العرش 2013:
وانطلاقا من كون دولة الحق والقانون هي مصدر كل تقدم٬ فقد جعلنا العدالة في مقدمة أوراشنا الإصلاحية. وحيث إن الدستور الجديد يضع استقلال القضاء في صلب منظومته٬ فإن الشروط باتت متوافرة لإنجاح هذا الورش الكبير٬ متطلعين إلى أن تعمل الهيأة العليا لإصلاح العدالة٬ وفق مقاربة تشاركية منفتحة٬ لإعداد توصيات عملية ملموسة٬ في أقرب الآجال.

وتشكل الجهوية المتقدمة التي أطلقناها٬ وكرسها الدستور الجديد ٬ورشا كبيرا يتعين تدبيره بكامل التأني والتبصر٬ ليكون تفعيلها كفيلا بإحداث تغيير جوهري وتدريجي ٬ في تنظيم هياكل الدولة ٬وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية. ولكسب رهانات هذا المسار٬ يتعين فسح المجال لتجديد النخب٬ والمشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب٬ وفتح الآفاق أمام المواطنات والمواطنين المؤهلين٬ المتحلين بروح المسؤولية والنزاهة. كما نهيب بالحكومة الشروع في إصلاح الإدارة العمومية٬ لتمكينها من مواكبة متطلبات هذه الرؤية الترابية الجديدة.

وإذا كان القضاء والجهوية والحكامة الترابية٬ في صدارة أسبقياتنا٬ فإنه ينبغي ٬ إضافة إلى ذلك٬ إيلاء عناية خاصة لتفعيل المؤسسات المنصوص عليها في الدستور الجديد ٬ ذات الصلة بالحكامة الجيدة٬ ومحاربة الرشوة٬ وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ٬ بصفة عامة.
وقال جلالته في خطاب العرش 2011:

إذا كنا قد حققنا، شعبي العزيز، طموحنا الوطني الكبير، للدخول في عهد ديمقراطي جديد؛ فإن التحدي الأكبر هو تأهيل وتعبئة كل الفاعلين، ليصبح هذا الدستور واقعا ملموسا، وممارسة يومية، تجسد دمقرطة الدولة والمجتمع معا ؛ وتفتح آفاقا مستقبلية، واعدة بالعيش الحر الكريم، وخاصة لشبابنا وللفئات الشعبية..

ويظل عمادنا لرفع تحديات المرحلة المقبلة، الإيمان القوي بثوابتنا الوطنية، والثقة الكاملة في ذاتنا وقدراتنا، وفي مصداقية مؤسساتنا، ووجاهة اختياراتنا، وفي دينامية مجتمعنا ؛ والعمل الدؤوب، والاستثمار الأمثل لمناخ الثقة، الذي كرسه الإقرار الشعبي الجماعي للدستور.

إن نهوضنا بأمانتنا الدستورية، في ضمان حسن سير المؤسسات الدستورية، يتجسد، قبل كل شيء، خلال هذه المرحلة الهامة، في حرصنا على حسن إقامتها، في أقرب الآجال، وفق المرتكزات الثلاثة التالية :

أولا : الالتزام بسمو الدستور روحا ومنطوقا، كنهج قويم ووحيد لتطبيقه. ومن ثم، نعتبر أن أي ممارسة أو تأويل، مناف لجوهره الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا مخالفا لإرادتنا، ملكا وشعبا..

ثانيا : إيجاد مناخ سياسي سليم، جدير بما أفرزه هذا الدستور من مغرب جديد، مفعم بروح الثقة والعمل، والإقدام والتعبئة والأمل، والالتزام بتجسيد جوهره المتقدم على أرض الواقع.

ثالثا : العمل بروح التوافق الإيجابي، على تفعيل المؤسسات الدستورية، بالاعتماد الجيد للنصوص القانونية، اللازمة والإصلاحات السياسية الهادفة لانبثاق مشهد سياسي ومؤسسي جديد وسليم، جدير بدستورنا المتقدم، وكفيل بعدم إنتاج ما يشوب المشهد الحالي من سلبيات واختلالات..

وانطلاقا مما رسخه الدستور، من إقامة سلطة قضائية مستقلة، فإنه يتعين العمل، في الأمد المنظور، على إقرار التشريعات المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبالمحكمة الدستورية.

وفي هذا الصدد، فإن الأحزاب السياسية، التي كرس الدستور الجديد مكانتها، كفاعل محوري في العملية الديمقراطية، أغلبية ومعارضة، مدعوة لمضاعفة جهودها لتحقيق مصالحة المواطنين، وخاصة الشباب، مع العمل السياسي، بمفهومه الوطني النبيل، سواء في نطاق الأحزاب، التي أناط بها الدستور مهمة المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين؛ أو بالانخراط في المؤسسات الحكومية، الممارسة للسلطة التنفيذية، أو في المؤسسة البرلمانية، ذات السلطات التشريعية والرقابية الواسعة، أو في هيئات وآليات الديمقراطية المحلية، أو التشاركية، أو المواطنة.

وبناء على مكانة الملك الدستورية يمكنه أن يتدخل لإلغاء هذه المادة انسجاما مع ما خصه الدستور من أدوار منها حرصه على فصل السلط وعدم السماح لأية سلطة بالتطاول على سلطة أخرى، والمؤتمن على التطبيق السليم للدستور .
الفقرة الثالثة: أوجه التعارض الدستوري مع المادة 9.
تتعارض المادة 9 مع الفصل 6 من الدستور الذي ينص على أن القانون هو أسمى تعبير عن ارادة الأمة والجميع أشخاص ذاتيين واعتباريين بمن فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له، وتعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تعلي من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة.
وليس للقانون أثر رجعي.

وتتعارض المادة 9 مع مضمون الفصل 16 من الدستور الذي يفرض على المملكة المغربية العمل على حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين.

كما تتعارض المادة 9 مع مضمون الفصل 37 من الدستور الذي تفرض على جميع المواطنين احترام الدستور والتقيد بالقانون ويتعين عليهم حماية الحريات والحقوق التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بأداء الواجبات .

كما تساءل المادة 9 دور المجلس الوزاري حسب الفصل 49 من الدستور تلك الامكانية لتداول التوجهات العامة لمشروع قانون المالية وكيف تم اغفال المادة 9 من مشروع قانون المالية لأنها مثار نقاش عمومي.

وتساءل أيضا البرلمان من خلال ما اناطه الفصل 70 من الدستور من مهمة مراقبة عمل الحكومة وكيف له سمح بتمرير هذه المادة ضدا في الشعب الذي انتخب أعضائه.
ومن جهة أخرى تحال القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية قبل اصدار الأمر بتنفيذها حسب الفصل 132 من الدستور. بالإضافة الى أن اللجان البرلمانية تحال عليها مشاريع ومقترحات القوانين لأجل النظر فيها خلال الفترات الفاصلة بين الدورات حسب الفصل 80 من الدستور.

الفقرة الرابعة: مظاهر ضرب المادة 9 لاستقلالية القاضي الاداري.

معلوم أن القضاء مستقل دستوريا وأن الاحكام لا تصدر الا باسم الملك كضامن لهذه الاستقلالية وطبقا للقانون الذي يعتبر الدستور أسمى القوانين، خصوصا وأن الفصل 118 من الدستور يسمح بالطعن أمام الهيئات القضائية الادارية المختصة كل قرار اتخذ في المجال الاداري سواء كان تنظيميا أو فرديا، وأن حق التقاضي مضمون لكل شخص.

ومعلوم أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يخص استقلالهم حسب الفصل 113 كما أن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية والتشريعية حسب الفصل 108 بل يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة ويمكنه أن يحيل الامر الى المجلس الأعلى للسلطة القضائية حسب الفصل 109. ويجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء وواجب على السلطات المساعدة على التنفيذ.

هذا وبالعودة الى حكم بلانكو فان القضاء الاداري يراقب الأعمال والقرارات الادارية في مواجهة المواطنين وهو الضامن للحقوق في مواجهتها وجبر الضرر الذي تسببها الاضرار التي قد تلحقها الادارة بأي حق من حقوق مواطن.

الفقرة الخامسة: إبطال المادة 9 مهمة المحكمة الدستورية.

انطلاقا من أن المحكمة الدستورية مهمتها مراقبة دستورية القوانين والحرص على مطابقة القوانين مع مقتضيات الدستور، وأن قرارات المحكمة الدستورية لا تقبل الطعن وهي ملزمة للسلطات العمومية وجميع الجهات الادارية والقضائية، حسب الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور، فان المادة 132 منه تعطي حق احالة القوانين والاتفاقيات الدولية عليها من قبل للملك ولرئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وخمس أعضاء مجلس النواب وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين قبل اصدار الامر بتنفيذها أو قبل المصادقة عليها لتبت في مدى مطابقتها للدستور. وذلك داخل أجل شهر من تاريخ الاحالة أو عند الاستعجال 8 أيام بطلب من الحكومة.
الفقرة السادسة: امكانية المواطنين الدفع ببطلان المادة 9.
يحق للمواطنين ان يدفعوا ببطلان هذه المادة أمام القضاء كما يحق حسب الفصل 15 من الدستور للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم عرائض الى السلطات العمومية ويمكن أن يكون موضوع العريضة الشعبية الدفع ببطلان المادة 9 لأن المواطنين صوتوا على الدستور الذي يتعارض مع هذه المادة غير القابلة للتطبيق لتعارضها مع حقوقهم سواء في مواجهة المجالس المنتخبة أو الدولة أو الادارة العمومية.

خاتمة:
ان المادة 9 لها وقع سلبي على عدة أصعدة منها حرمان المواطنين من حقوقهم التي خولها لهم الدستور وستنعكس على مشاركتهم السياسية، ولها أيضا تأثير سلبي على مستوى الاستثمار الأجنبي بسبب ضرب الأمن القضائي الذي يعتبر ضمانة أمام المستثمرين ، كما تؤثر على الثقة بين الادارة والمقاولين ، بالإضافة الى أنها تبين تجل السلطة التنفيذية في اختصاص السلطة القضائية خزي سياسي حيث أن نواب الأمة خلال الولاية السابقة عارضوا المادة 8 من القانون المالي والمتعلقة بعدم جواز الحجز على اموال الادارة. بينما الخزي السياسي سمع لنواب هذه الولاية بتمرير المادة 9 أعلاه وتم تسجيل بذلك تراجعا في الاحساس بقيمة المكتسبات الوطنية وضرب لقاعدة المساواة أمام القانون، و في شموليتها تمثل تراجعا لمستوى الدولة الديمقراطي وازالة الطابع الاستثنائي الذي تميز به المغرب في ظل فترة الربيع العربي وما بعده.
المراجع:
1 – المادة 9 من قانون المالية 2020 .
2 – الفصل 6 من دستور 2011 .
3 – الفصل 16 من دستور 2011.
4 – الفصل 37 من دستور 2011.
5 – الفصل 49 من دستور 2011.
6 – الفصل 70 من دستور 2011 .
7 – الفصل 132 من دستور 2011.
8 – الفصل 118 من دستور 2011.
9 – الفصل 108 من دستور 2011.
10 – الفصل 109 من دستور 2011.
11 – خطاب العرش 2019 .
12 – خطاب العرش 2018 .
13 – خطاب العرش 2017.
14 – خطاب العرش 2016 .
15 – خطاب العرش 2015 .
16 – خطاب العرش 2014 .
17 – خطاب العرش 2013 .
18 – خطاب العرش 2011 .
* أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق بتطوان

المقالات الأكثر قراءة

التعليقات مغلقة.