بقلم: لحسين أكركي
يشهد المغرب، منذ مطلع شهر نونبر وإلى حدود نهاية الشهر الجاري، وضعية جوية اتسمت بتسارع وتيرة تعاقب المنخفضات الجوية وتعدد الجبهات الاضطرابية النشطة، التي أثّرت بدرجات متفاوتة على مختلف جهات البلاد.
ويُعزى هذا السياق الجوي إلى تمركز اضطرابات أطلسية عميقة فوق العروض الشمالية للمحيط الأطلسي وشبه الجزيرة الإيبيرية، ما أفضى إلى عبور جبهات باردة قوية اتجاه المغرب، صاحَبَها نشاط مطري ملحوظ، وتساقطات ثلجية على المرتفعات، وانخفاض ملموس في درجات الحرارة.
ومن خلال تتبّع وتحليل تطوّر المنظومة الجوية خلال الأسابيع المنصرمة، يتبيّن أن مناطق الوسط، والشمال، والريف، والجهة الشرقية، إلى جانب السلاسل الجبلية للأطلس، قد استفادت من حصص مطرية وازنة، بفعل توالي النزولات القطبية الباردة المصحوبة بكتل هوائية رطبة، مرتبطة باضطرابات أطلسية متمركزة شمال المحيط الأطلسي. وقد ساهم هذا الوضع في تعزيز الرصيد المطري بعد فترة طويلة من العجز المائي.
ورغم استمرار تموضع المرتفع الجوي الأزوري فوق جنوب المحيط الأطلسي، فإن تراجع حدّته وانخفاض قيم ضغطه السطحي أتاحا انفتاح المسار أمام توغّل الكتل الرطبة نحو شمال غرب إفريقيا.
كما يُرتقب، وفق النماذج العددية الحالية، أن يشهد المرتفع الآزوري انتقالاً تدريجياً نحو شمال المحيط الأطلسي وشمال غرب أوروبا، وهو ما من شأنه تهيئة الظروف الديناميكية الملائمة لعبور سلسلة جديدة من المنخفضات الأطلسية النشطة، خاصة خلال نهاية الشهر الجاري وبداية الشهر المقبل.
ويُعد هذا السيناريو معاكساً تماماً لما طبع الموسم الفائت، الذي تميّز بسيطرة شبه مطلقة للمرتفع الآزوري، ما حال دون وصول الاضطرابات وأفضى إلى استقرار جوي طويل الأمد وارتفاع غير اعتيادي في درجات الحرارة.
واستناداً إلى المعطيات الرصدية والخرائط التنبؤية الراهنة، يُنتظر أن يستمر هذا النمط الاضطرابي خلال الأيام القليلة المقبلة، مع احتمال اتساع رقعة التساقطات، خصوصاً في منتصف الأسبوع ونهايته، لتشمل مناطق جنوبية إضافية، لا سيما سوس ووسط البلاد. ويُعد هذا الامتداد المطري مؤشراً إيجابياً يعكس بداية تعافٍ تدريجي للمنظومة المناخية، عقب فترة مطوّلة من الإجهاد المائي وندرة التساقطات بالمغرب.
ولا يقتصر هذا التطور على كونه تحسناً آنياً أو ظرفياً، بل قد يُعبّر عن انتقال موسمي فعّال نحو نمط شتوي نشيط ومستقر من حيث الدينامية، وهو ما يشكّل عاملاً داعماً للفلاحة البعلية، ويساهم في تعزيز المخزون المائي السطحي والجوفي، شريطة استمرار هذا النسق خلال شهري يناير وفبراير المقبلين.
غير أن استمرار هذه الاضطرابات الجوية قد يكون مصحوباً بارتفاع منسوب المخاطر الطبيعية، وعلى رأسها السيول المفاجئة بالمناطق الجبلية والوعرة، فضلاً عن اضطرابات في حركة السير والتنقل نتيجة التساقطات الثلجية أو الانزلاقات الطينية، خصوصاً بالمناطق ذات الهشاشة الطرقية والبنية التحتية المحدودة.
وعليه، نوصي المواطنين، ولا سيما ساكنة المناطق الجبلية والداخلية، بضرورة التحلّي بأقصى درجات الحيطة والحذر، والتقيد الصارم بتوجيهات السلطات المحلية، ومتابعة نشرات اليقظة الجوية الرسمية الصادرة عن الجهات المختصة.
- راصد جوي

التعاليق (0)