في خضم النقاش الدائر حول الحضور الجماهيري في كأس إفريقيا المقامة بالمغرب، يصرّ البعض على مقارنة مدرجات “الكان” بما شاهدناه في كأس العرب أو في البطولات الأوروبية. هذه المقارنة، في جوهرها، غير منصفة ولا تعكس واقع كرة القدم الإفريقية ولا خصوصياتها الاجتماعية والاقتصادية.
أول ما يجب توضيحه هو أن كرة القدم في إفريقيا تُمارَس وتُتابَع داخل سياق مختلف تمامًا عن أوروبا أو حتى بعض البطولات العربية. في القارة الإفريقية، الأوضاع الاقتصادية تلعب دورًا حاسمًا في قدرة الجماهير على التنقل بين الدول أو حتى بين المدن. تكاليف السفر، الإقامة، وارتفاع أسعار التذاكر مقارنة بالقدرة الشرائية، تجعل حضور المشجعين القادمين من خارج البلد المنظم أمرًا محدودًا جدًا.
لهذا السبب، فإن الحضور الجماهيري في بطولة كأس إفريقيا يعتمد بنسبة تكاد تكون كاملة على جماهير البلد المستضيف، وليس على تنقل جماهيري واسع كما هو الحال في أوروبا.
إلى جانب العامل الاقتصادي، تطرح فترة تنظيم البطولة إشكالًا حقيقيًا. تنظيم المنافسة في توقيت يرتبط بالدراسة أو العمل، ومع ضغط الحياة اليومية، يحدّ من قدرة عدد كبير من المواطنين على حضور المباريات، خاصة تلك التي لا يكون المنتخب الوطني طرفًا فيها. هذا عامل بنيوي لا يمكن تجاهله أو القفز عليه بمقارنات سريعة مع بطولات تُقام في ظروف مختلفة تمامًا.
من هنا، يصبح النقاش الحقيقي ليس في جلد الذات أو مقارنة غير واقعية، بل في كيفية التأقلم مع خصوصية القارة الإفريقية، والبحث عن حلول عملية لرفع الحضور الجماهيري دون المساس بجودة التنظيم أو الجانب الأمني. بعض التجارب المحلية أثبتت فعاليتها، مثل توزيع التذاكر أو الدعوات على المؤسسات التعليمية، الجامعات، والشركات، بما يخلق دينامية جماهيرية حقيقية ويمنح المباريات أجواء تليق بقيمة البطولة.
التجربة التي تم تطبيقها في أكادير، والمتمثلة في فتح أبواب الملعب أمام الجماهير بعد مرور حوالي ربع ساعة من بداية اللقاء، يمكن اعتبارها حلًا عمليًا وذكيًا في سياق محدد. هذا الإجراء ساهم في ملء المدرجات وتحسين الصورة العامة للمباراة، شريطة أن يتم دائمًا في إطار من التنظيم الصارم والحرص الكامل على الجوانب الأمنية، حتى لا يتحول الحل إلى مشكلة.
بناءً على كل ما سبق، يمكن القول إن الانطلاقة الحالية للحضور الجماهيري في البطولة تبقى مقبولة نسبيًا، خاصة إذا ما أُخذت بعين الاعتبار خصوصيات القارة والظروف المحيطة بالتنظيم. الأهم اليوم ليس المقارنة مع الآخرين، بل الاشتغال بهدوء وواقعية على تحسين النسبة تدريجيًا، عبر حلول مبتكرة تحترم الواقع الإفريقي وتخدم صورة الكرة القارية على المدى المتوسط والبعيد.

التعاليق (0)