دبلوماسية أمن المغرب.. من دولة تتفاعل إلى دولة تصنع القرار الأمني الإقليمي

أمن المغرب آراء أمن المغرب

المغرب يحوّل الأمن من رد فعل إلى مشروع دولة، ليصبح فاعلاً إقليمياً يصدر الخبرة الأمنية. يعتمد على الاستباق، الشراكة الدولية، والتحالفات الذكية لمواجهة تحديات الإرهاب، الهجرة، والجريمة. افتتاح معهد إفران يعزز هذا التحول. المغرب يصنع أمنه ويصدره، متجاوزاً التعامل مع التهديد إلى منعه وهندسة الأمن الإقليمي.

✍️ نجيب الأضادي

لم يعد الأمن في المغرب مجرد وظيفة مرتبطة بالميدان، ولا مجرد جهاز يتدخل عند الخطر، بل أصبح مشروع دولة مبني على الرؤية، التخطيط، والتحليل الاستراتيجي. هذا التحول العميق منح المملكة موقعًا جديدًا في خارطة الأمن الإقليمي، وجعلها فاعلًا مُصدِّرًا للخبرة الأمنية لا متلقّيًا لها، وصانع قرار في بيئة دولية تزداد تعقيدًا.

تطور العقيدة الأمنية المغربية خلال العقدين الأخيرين يؤكد انتقال الرباط من مرحلة رد الفعل — التي تنتظر التهديد لتتدخل — إلى مرحلة الفعل الأمني المؤسس على الاستباق والتحصين وبناء القدرات البشرية والمؤسساتية.

لم يعد الأمن ردّة فعل، بل سياسة عامة ذات امتداد دبلوماسي، استخباراتي، وتنموي. هنا يظهر جوهر الدبلوماسية الأمنية المغربية التي أفرزت نموذجًا قائمًا على الشراكة الدولية وتبادل المعلومات وتجفيف منابع التهديدات قبل انفجارها.

فالمغرب اليوم يحجز لنفسه موقعًا متقدمًا في هندسة الأمن الإقليمي، خصوصًا في فضاء الساحل والصحراء حيث تتلاقى تحديات الإرهاب، الهجرة غير النظامية، الاتجار بالبشر، الجريمة المنظمة، والاختراقات السيبرانية.

وقد أثبتت تجارب السنوات الماضية أن المعلومات الاستخباراتية المغربية كانت حاسمة في تجنيب دول أوروبية هجمات إرهابية محققة، ما عزز الثقة الدولية في الرباط كشريك موثوق.

إن افتتاح المعهد العالي للعلوم الأمنية بإفران جاء ليكرس هذا التحول في بعده الأكاديمي والدبلوماسي معًا. فالمعهد ليس مؤسسة تكوين داخلي فحسب، بل خزان خبرة ومركز لإنتاج المعرفة الأمنية وتخريج أطر قادرة على قيادة التحولات بدل اللحاق بها. المغرب بهذا النهج يصنع أمنه ويمد نفوذه الاستراتيجي عبر التعليم، التحليل، والبحث.

الدبلوماسية الأمنية المغربية اليوم تقوم على التحالف الذكي: تعاون دولي واسع، اتفاقيات أمنية متعددة، حضور استخباراتي محترف، وقيادة عمليات استباقية في محيط مضطرب. لقد أصبح المغرب رقمًا صعبًا في معادلة الاستقرار الإقليمي، ومرجعًا للدول الباحثة عن نموذج فعال يوازن بين صرامة القانون واحترام حقوق الإنسان.

لقد انتقلنا من سؤال: كيف نتعامل مع التهديد؟ إلى سؤال أكبر: كيف نمنع تشكله أصلًا؟ وكيف نعيد هندسة المشهد الأمني في محيطنا؟.

إن المغرب اليوم لا يحمي حدوده فقط؛ بل يصنع أمنه ويصدّره.

لا يواجه الخطر حين يقع؛ بل يقرأه قبل أن يتشكل.

لا يراقب الأحداث؛ بل ينخرط في صناعتها وتوجيهها.

هذا هو الفارق بين دولة تتفاعل، ودولة تصنع القرار الأمني الإقليمي.

  • باحث، مدون وكاتب رأي

التعاليق (0)

اترك تعليقاً