*أحمد الدرداري

ارتكزت عودة المغرب للاتحاد الافريقي على الاحتكام للواقعية السياسية، و دبلوماسية التحديات الاقتصادية، حيث عاد المغرب الى الاتحاد الافريقي معززا بتاكيد وترحيب 40 دولة. في قمة اديس ابابا بتاريخ 30 يناير 2017.

بعد مصادقة البرلمان الافريقي على مثاق الاتحاد الافريقي، وبعد 32 سنة على انسحابه من منظمة الوحدة الافريقية سنة 1984 الذي كان انسحابه بسبب انضمام الجمهورية الوهمية. الشيء الذي اقلق الشعب المغربي- وساهمت في ذلك الظروف الدولية التي كانت تحكمها الحرب الباردة – كما أن المؤسسة الافريقية كانت تسمى منظمة الوحدة الافريقية و تحولت 2001 الى الاتحاد الافريقي.

فالوحدة المعتمدة على السياسة لزمها الفشل ، فيما الوحدة الاقتصادية ناجحة وتبدو البديل لتحقيق الاهداف المشتركة بين دول جنوب- جنوب، ذلك ان البوليساريو لا اقتصاد لها ولا مشاريع تنموية يمكن ان تقدمها لافريقيا اللهم في مخيال المتوعدين ، فلا وطن لها ، و الادعاءات السياسة اذا لقيت اذانا صاغية فهي تخرب باقي الروابط الافريقية المهمة، والجزائر تحاول التسويق السياسي للصراع بالوكالة اكثر من أهمية الاقتصاد مما يجعلها تعيش ازمة اقتصادية داخلية في الوقت الذي لم تبقى دولة في العالم بنفس التركيبة التي تميز حكم العسكر في الجزائر ، والذي يوجه الانفاق العام كله نحو الصراعات والسلاح ، والوقوف الى جانب الجماعات المسلحة والشعب يحتاج الى الاهتمام بمطالبه المصادرة ، فالجزائر اقحمت نفسها في مغامرات باءت كلها بالفشل منذ عهد الهواري بومدين نيابة عن مشروع فرانكو ، وعليها ان ارادت ان تنجو من موجة صامويل هانتنجتون القادمة ان تنحو منحى السلام والتفكير في الخروج من الازمة دون تكلفة مادية وبشرية. فلا توجد دولة في العالم تختار رئيسها من بين افراد العصابة في مؤتمر استثنائي وتعينه وتسميه امينا عاما بعيدا عن القانون كما يحدث في مخيمات البوليساريو ؟

فمنذ عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي ولمدة 4 سنوات ، حقق المغرب مالم تحققه الجزائر طيلة 32 سنة التي كان المغرب فيها خارج منظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الافريقي.

فالقرار التاريخي ، غير من الانقسامات ، ووحد الاتجاه نحو تحقيق الاهداف من العمل الجاد ضمن الاتحاد الافريقي.

وقيل عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي كانت الجزائر متواجدة في منظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الافريقي وداخل مؤسسات سواء في مؤسسة السلم والامن، او قيادة آليات السلام الافريقي …..
واستطاعت ان تقنع بعض الدول الافريقية بمنح البوليساريو مقعدا داخل منظمة الوحدة الافريقية.
وكانت تحارب المغرب ومنعت مندوبين مغاربة من حضور اجتماع دولي في الجزائر نظمه المركز الافريقي للدراسات والبحوث حول الارهاب بشراكة مع منتدى مكافحة الارهاب العالمي والافريقي في الساحل.

بالاضافة الى تمويل البوليساريو ومده بالسلاح وهو ما يتناقض مع اهداف السلم والامن الافريقي والاقليمي، وحتى مع دول الجوار، فالمغرب قدم اطروحات واقعية للمشاكل والقضايا المطروحة وركز على السلم والامن الحقيفي وبعيدا عن الازدواجية في المواقف واعاد الواقعية في مقاربة التحديات.

ان الجزائر تعرف حراكا داخلياً مقلقا، وله علاقة بالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشيئ الذي يؤدي الى عزلة نظام الجزائر ديبلوماسيا وحظر غير مباشر على توجهاتها التي لا تعارض الطرح العالمي قبل وابان الجائحة،

في المقابل تعرف الديبلوماسية المغربية نجاحا متصاعدا وتعاونا دوليا كبيرا ، والمستقبل يؤشر على طرد الكيان الوهمي في الاتحاد الافريقي (عضو مؤسس)وهو غير مؤسس وغير ذي وجود على الأرض وشروط قيام دولة واضحة في القانون الدولي .

ان ديبلوماسية فتح القنصليات واتجاه فرنسا نحو فتح قنصلية لها في الصحراء المغربية على الأرض بعد الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول تقوي الشرعية الدولية لصالح المغرب وتخلق ظروف تنزيل الحكم الذاتي وهو ما يتطلب طرد البوليساريو من الاتحاد الافريقي ليبقى لحكام الجزائر نقطة وحيدة وهي الاعتراف بمغربية الصحراء والإسهام في إنجاح الحكم الذاتي وربما إذا إستمر النظام العسكري في محاصرة الحرية والتنمية والديمقراطية، يمكن لبعض المناطق الجزائرية من المناداة بالانفصال أو بالحكم الذاتي و انضمام الصحراء الشرقية للمغرب الفيدرالي كما حصل لألمانيا بعد سقوط جدار برلين ، حيث أن النظام الفيدرالي كان هو الحل لمواجهة تخلق ألمانيا الشرقية.

فالجزائر أمامها مصير محتوم بحكم السياق الدولي والاكراهات المعاصرة ومتطلبات التعاون والشراكة مع الدول الكبرى حيث أصبحت تعيش اليوم تحت الازامات والضغوطات الدولية والإقليمية والداخلية، وسيتم اعادة النظر في وضعية جبهة البولسياريو اذا عارضت الحلول الدولية المطروحة وتصنيفها كمنظمة ارهابية نظرا للخيوط المنسوجة لها مع جماعات ارهابية وتيارات معادية للسلم والامن الدوليين.
فالتوصل الى حل سياسي هو الهدف من القرار 693/ 2018 والحكم الذاتي هو الحل الوحيد .
– فالمغرب استطاع ان يجر الجزائر الى طاولة التشاور باعتبارها طرفا اساسيا في النزاع . حيث انه بعد حدث الكركرات اعترفت الجزائر صراحة بان تدخلها في النزاع يبرره دفاعها المشروع عن امنها الاستراتيجي.

ان المغرب حقق تعاونا اقتصاديا على المستوى الافريقي بناء على ديبلوماسية المكاسب وديبلوماسية الوساطة بين الدول والاطراف في مالي وليبيا….

فافريقيا المعاصرة تحتاج الى التجارة والتنمية وتجنب الصراعات وصرف الاموال لاشعال فتيل النزاعات المسلحة والحروب التي ارتبطت بالصراع حول السلطة .. كما ان المغرب قاوم في ظل الحرب الباردة ابان فترة وجود الاتحاد السوفياتي ، اما اليوم فان التغيير العالمي مال لصالح مواقف المغرب، ومعه لم تعد المنطقة قابلة لاشعال الحروب.
في حين فشلت الجزائر في فتح معبر نحو افريقيا مما جعلها تطلق خطا بحربا مكلفا…وهو ما يبعدها أكثر عن قواعد اللعبة الافريقية بعد عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي .

ان الديبلوماسية الجزائرية ركزت على دعم الانفصال وهو موضوع ليس من الاولويات لدى الدول الافريقية ويجب معه طرد البولساريو من الاتحاد الافريقي.

وتقديم طلب تعديل القانون التاسيسي للاتحاد الافريقي بتحديد معنى الدولة العضو في الاتحاد وشروط العضوية ، ومنها التقدم بطلب طرد البوليساريو لأنها ليست دولة ، ولا وجود لكيان وهمي من الناحية الواقعية ، لاسيما وان الحكم الذاتي ينفي وجود دولة من الاصل ولا يتعايش في اطاره دولتين ، بل دولة واحدة صاحبة السيادة والاقليم المتمتع باستقلال سياسي وتنموي ، بعيدا عن السيادة.

ان المغرب متواجد في افريقيا من خلال مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة التي تاسست 13 يوليوز 2015. ومقرها بفاس. ومجلسين للسلم والامن وتجمع دول الساحل والبرلمان الافريقي والاتحاد الافريقي ….. فتعبير التاسف على توقف الحوار بين طرفين النزاع وتقرير المصير في الصحراء الذي يتحدث عنه الرئيس الجزائري يبرر الفصام السياسي لديه . وبكون تقرير المصير يرتبط بتصفية الاستعمار كذب.

فالاستعمار يكون من طرف دولة غربية لدولة من دول العالم الثالث.
شريطة تكون الدولة المحتلة تتوفر على اركان الدولة . وكل هذه الشروط غير متوفرة لاعمال مبدأ تقرير المصير السيادي .

لقد حقق المغرب إنجازات مهمة في علاقاته مع العديد من الدول الافريقية عبر مختلف جهات القارة السمراء كما يحاول تثبيت أقدامه واستعادة مكانته وفرض أدواره وقدراته داخل الاتحاد الإفريقي،
عشرون سنة من العلاقات المغربية الثنائية مع البلدان الأفريقية والحصيلة بعد التوجه الملكي نحو افريقيا حققت نجاحات حتى مع الدول التي عرفت بعدائها للمغرب، اضافة الى الوجود الاقتصادي والروحي للمغرب عبر مختلف الجهات مما جعل المغرب يعود بقوة إلى البيت الافريقي.

وبعد عودته إلى الاتحاد الافريقي 2017 استطاع أن يفرض نفسه كفاعل قوي في الاتحاد وأنهى احتكار دول أخرى لهيئات المنظمة الافريقية والحد من عدائها للوحدة الترابية للمغرب.

ان التحديات التي يجب على المغرب رفعها لتكريس موقفه كرائد إفريقي. العمل على إخراج جمهورية الوهم من الاتحاد الافريقي وإزالة الكرسي الزائف من الاتحاد كتتويج لثمرة التفكير العميق للمغرب تجاه افريقيا . والمزيد من الانفتاح وإعادة وزن المغرب إلى مكانه. والتركيز على مستقبل أمن واستقرار دول القارة الذي يعتمد على تجنب الصراع المسلح كمعيار لتحديد القوة والحروب كوسيلة لاستعادة السلطة بالقوة والتمرد بالسلاح . ومواجهة اطروحة المراهنة على الترويج والاقناع بديبلوماسية الانفصال و النزاعات كطرح معادي داخل اروقة الهيئات الافريقية والدولية، والتركيز على ضعف شخصية العدو المختبئ وراء تمويه سياسي كاذب وغير واقعي.

فهل اسبانيا استعمرت ارض الجزائر ؟
و هل اسبانيا وجدت دولة ام ارضا خلاء ولماذا محكمة العدل الدولية اثبتت وجود سكان تابعين لسلاطين المغرب في الصحراء المغربية ؟

وهل فرنسا لما استعمرت الصحراء الشرقية تخلت عن جزء من ارض الجزائر دون احتلال ؟
و كيف تقر الجزائر بحقوق لها في تم احتلالها من طرف دولة وقعت الاتفاقيات مع المغرب ؟
كل المراهنات الدبلوماسية الجزائرية التي توخت الوصول الى مياه المحيط الأطلسي ومنها جبل تروبيك تبخرت و أطروحة التآمر السياسي على المغرب بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لم تعد فاعلة وانتهت القصة بنهاية الشراكة والتعاون في المجال الأمني والعسكري مع دول غربية لاسيما امريكا واسرائيل.

بل ان الاستراتيجية المغربية في موضوع الأمني الاستراتيجي بحكم الهشاشة الأمنية وتنامي التهديدات التي قد تجر دول إلي المواجهة وسقوط البلدان في يد تنظيمات مسلحة تحت مسميات معينة امر قائم والحزائر مهددة بمثل هذه التنظيمات، فبوكو حرام تنادي بمطالب شبيهة بمطالب البوليساريو و الفرق بينهما الدين والسياسة.
والتعاون الأمني والعسكري مجال خصب لتخليص افريقيا من الخطر الأمني والتطرف الديني والسياسي، فالإرهاب له سلعة واحدة مهما كانت الدوافع وله نفس الآثار، فالاتفاقيات الأمنية بين المغرب ومختلف الدول الأفريقية امر مهم كما أن التفكير في خطة أمنية قارية مهمة أيضا لتكون ضمانة لاستقرار الشعوب ونمو اقتصادياتها و ثقافاتها وحماية الأديان الافريقية من مظاهر الإهانة والتقليل من قيمة الانسان الافريقي.

كفى من معاناة الإنسان الافريقي وكفى من الاتجار بافريقيا ومصادرة حقوق الشعوب الضعيفة واستغلال معاناتها في ظل وجود الاتحاد الافريقي وباقي المؤسسات الأخرى.

*رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات،استاذ جامعي

المقالات الأكثر قراءة

التعليقات مغلقة.