تُعدّ المحن والاختبارات الطبيعية، كما حدث بمدينة آسفي جراء الفيضانات المفاجئة، لحظات كاشفة لاختبار تماسك المجتمعات. وفي الوقت الذي يُظهر فيه المغاربة، كعادتهم، أسمى آيات التضامن والتكافل الاجتماعي والركون إلى قضاء الله وقدره، تبرز ظاهرة سلبية موازية تطلّ برأسها من وراء الحدود، متغذيةً على الألم ومستثمرةً في الفاجعة.
إنها ليست صحافة ولا رأياً حراً يُقدم نقداً بناءً، بل هي غرف منظمة للتشويه تعمل بذهنية الثكنة العسكرية. مهمتها الأساسية تحويل أي محنة إنسانية إلى مادة خام للحقد والتحريض. هذه الأبواق، التي فقدت ما تبقى لها من مهنية أو ذرة إنسانية، لا تتورع عن فبركة الصور، وتلوي الوقائع، وتحويل الدمى إلى “ضحايا” مفترضة، وكل ذلك يصب في بوتقة إشباع نزعة شماتة مريضة وعجز سياسي مزمن.
تجارة الأكاذيب في زمن الحزن
إن البشاعة تكمن في أن هذه المنصات لا ترى في الكوارث الإنسانية إلا فرصة للطعن في النسيج الوطني، ولا في الحزن الجماعي إلا مادة سهلة للتضليل والكذب بلا خجل. إنها تزيف وتضلل، لأن الحقيقة عدو الأنظمة التي تعيش على صناعة الوهم وتغذية الأحقاد. وبينما ينشغل الشعب المغربي بتضميد جراحه بـالعمل والتكافل والتآزر، تنشغل “ماكينة الدعاية” تلك بتسويق الأكاذيب في محاولة يائسة للتشويش على وحدة وطنية راسخة لا يمكن أن تهتز بأي حال.
التباين هنا يصبح صارخاً ولا يحتاج إلى كثير من التحليل:
- هنا (المغرب ): شعب يواجه محنه بالصبر والثبات، ويسارع لنجدة المتضررين بإرادة وطنية جامعة.
- هناك (منابر التشويه): حقد يوزع على حسابات مأجورة، ومحاولة بائسة لتقايض الأخلاق بالتحريض السياسي الرخيص.
التماسك المغربي: الواقع الذي يغيظ
إن الحقيقة التي تغيظهم وتفشل كل مخططاتهم هي أن التماسك المغربي ليس مجرد صورة عابرة أو سردية إعلامية قابلة للفبركة. إنه واقع معاش يُبنى في الشدائد، ويصمد أمام كل محاولات التزييف والتشويش الخارجية. إن قوة الأمة المغربية تتجلى في قدرتها على فرز الغث من السمين، وإدراك مصادر الاستهداف الخبيث.
إن الرد الأمثل على هذه “الحرب النفسية” هو المزيد من التلاحم والتركيز على البناء الوطني، وترك أبواق الفتنة تلوك أوهامها بعيداً عن صرح الوحدة المغربية الشامخ. الأزمة الإنسانية تتطلب التعاضد، وليس فرصة للخصومة السياسية المريضة.
ويبقى التحدي الحقيقي داخلياً، بعيداً عن ضجيج التشويه. إن ردنا على كل هذا الحقد الخارجي يجب أن يقترن بـ”محاسبة حقيقية” داخلية، فالتضامن لا يعني التغاضي. على الرغم من أن وحدتنا في مواجهة القدر لا تهتز، إلا أن الإيمان بالعدالة يقتضي تقييم الأداء ومساءلة المسؤولين عن التخطيط الحضري والبنية التحتية في آسفي، وغير آسفي. فالوفاء للوطن يفرض علينا أن نبني مناعة مزدوجة: صمود أمام العدوان الخارجي، وعمل دؤوب لضمان الجودة والشفافية ومحاسبة المقصرين داخلياً. تلك هي المعادلة التي لا يمكن لآلة الدعاية أن تشوهها.

التعاليق (0)