بقلم: عمرو نجيب فهمي
يتجدد موعد المنتخب المصري مع مسابقة كأس أفريقيا التي يتزعمها كبطل تاريخي بسبعة تتويجات، هذه المرة يتجه الفراعنة صوب المغرب في أول نسخة تقام بالشمال الإفريقي خارج الحدود المصرية منذ دورة تونس عام 2004.
ولم يحالف التوفيق المصريين كثيرا في كل مناسبة أقيمت فيها البطولة بالشمال، فحين احتضنتها تونس عام 1965 لم يشارك المنتخب بقرار جاء على خلفية توترات سياسية بين البلدين، وحين تكررت الاستضافة في 1994 كان الوداع من ربع النهائي، ثم في 2004 خرج الفراعنة من الدور الأول، وهو نفس المصير الذي صاحب المشاركة بالمنتخب الأوليمبي في نسخة 1990 بالجزائر.
أما حين استضاف المغرب بالذات نسخة 1988 ودخلت مصر كحامل للقب، جاء الخروج مبكرا أيضا من مجموعة صعبة ضمت الكاميرون ونيجيريا.
غير أن محبي التاريخ بإمكانهم التخلي عن التشاؤم الذي قد تبثه السطور السابقة، فالمنتخب المصري في آخر أربع نسخة التزم نمطًا مكررا، فهو يصل إلى النهائي مثلما فعل في 2017 و2021 ثم يخرج من دور الستة عشر مثلما فعل في 2019 و2023، ومع افتراض استمرار هذا المسلك فإن الاستبشار ببلوغ المشهد الختامي في المغرب قد يبدو متسقا.
مسارات البطولة
أوقعت القرعة المنتخب المصري في المجموعة الثانية مع كل من زيمبابوي وأنجولا وجنوب إفريقيا المتأهلة إلى كأس العالم، وهي كلها منتخبات تنتمي إلى الجزء الجنوبي من القارة، بما يعني أن التشابه بين أساليب اللعب لن يكون مستبعدا.
ويحظى الفراعنة بأفضلية لعب المباريات الثلاث في مدينة أكادير بالجنوب المغربي، فمن ناحية لن ينتقل المنتخب للعب أي مباراة في مراكش عكس بقية منتخبات المجموعة، ومن ناحية أخرى تضمن الصدارة له الاستمرار في ذات المدينة حتى الدور ربع النهائي إذا حالفه التوفيق، وهو هدف مهم في ذاته للابتعاد عن المغرب المستضيف حتى الدور النهائي، بجانب أن الوصافة تعني مواجهة إما الكاميرون أو كوت ديفوار على الأرجح مبكرا، في حين أن المركز الثالث لا يضمن الاستمرار في البطولة.
ومن حسن الحظ أن المباراة الأولى ستكون مع زيمبابوي، وهو منتخب لم يسبق أن فاز على مصر في أي سياق وديًا كان أم رسميا، وإن كان للتوأمين حسام وإبراهيم حسن وهما على رأس قيادة المنتخب المصري ثأر مع هذا الفريق الذي سبق وتسبب في ضياع أحلامهما بالتأهل إلى نهائيات كأس العالم 1994.
وتبدو المباراة الثانية أمام جنوب إفريقيا أصعب ما في المجموعة، فهي فريق منتظم متأهل إلى المونديال يلعب كرة حديثة بنهج صبور ولا يتأثر بالضغوط، كما يقوده مدرب محنك هو البلجيكي هوجو بروس الذي سبق وقاد الكاميرون إلى الفوز بلقبها الخامس عام 2017 على حساب مصر بالذات.
أما المباراة الأخيرة فستكون أمام أنجولا التي تغلب عليها المصريون في ذات البطولة مرتين، ودائما بنفس النتيجة 2-1، في نسختي 1996 و2008 غير أن تولي الفرنسي باتريس بوميل تدريب منتخبها قبل الكان قد يمنح لاعبيه دفعة جديدة بعد التخبط في تصفيات كأس العالم مع سلفه البرتغالي بدرو جونسالفيش الذي لم يحافظ على تألقه قبل عامين في نهائيات كوت ديفوار أو حتى في تصفيات النسخة الحالية حين تسبب -رفقة السودان- في إقصاء غانا.
كيف نلعب
يتميز المنتخب تحت قيادة حسام حسن بشيء من المرونة الخططية يتغير تبعا للخصم، فهو ينتهج أسلوبا هجوميا حين يكون الطرف المواجه ضعيفا، فتجده يدفع منذ البداية بخمسة لاعبين يميلون إلى الأمام في صورة ثلاثي هجومي يتألف عادة من محمد صلاح وعمر مرموش ومصطفى محمد، ومن خلفهم أحمد مصطفى “زيزو” ومحمود حسن “تريزيجيه” في وسط الملعب رفقة لاعب ارتكاز وحيد.
وإن كان هذا الأسلوب يضع الخصم تحت ضغط هائل بما قد يثمر أهدافا مبكرة، فإنه يتسبب أحيانا في ظاهرة فراغ خط الوسط، فزيزو وتريزيجيه يندفعان عادة إلى الأمام، بينما يميل لاعب الارتكاز -سواء كان مروان عطية أو حمدي فتحي أو مهند لاشين- إلى الخلف لمساندة الدفاع، فيفرَغ وسطُ الميدان ويبدأ الخصم في كسب الثقة واستغلال الثغرات.
وقد يلجأ حسام حسن أيضا حين اللعب بهذا الأسلوب إلى الدفع بحمدي فتحي كقلب دفاع بجوار رامي ربيعة للتمكن من الخروج بالكرة بشكل أفضل في عملية بناء اللعب، وهو حل قد سبق وجربه خلال التصفيات ويبدو مطروحا في البطولة في ظل عدم لحاق محمد عبد المنعم بالقائمة.
غير أن حسام حسن يلتزم أسلوبا محافظا حين يكون الخصم قويا، وهو ما تشهد عليه مباراة بوركينا فاسو في تصفيات كأس العالم التي انتهت بالتعادل دون أهداف في واجادوجو، فلعب العميد بخمسة مدافعين وظهر محمد هاني كقلب دفاع ثالث، ولم تطرأ مشكلة فراغ خط الوسط حتى بعد الشوط الثاني، دون أن يعني هذا أن المنتخب انتهج التراجع طيلة اللقاء، بل كان قريبا من التسجيل في أكثر من مناسبة.
وبالتالي يمكن توقع أن المنتخب سيبدأ مباراة زيمبابوي بطريقة هجومية بينما سيكون أكثر تحفظا ضد جنوب إفريقيا، على أن يتحدد النهج الذي سيعتمده أمام أنجولا في ضوء معطيات أول جولتين.
دفاع المنتخب المصري
لا شك أن غياب عبد المنعم وعدم توفر خبرة أحمد حجازي أو محمود حمدي “الونش” يعني أن المنتخب سيظهر بخط خلفي مغاير لما اعتاد عليه في النسخ الأخيرة، فسيكون الاعتماد كبيرا على رامي ربيعة وهو اللاعب الذي حرمه سوء الحظ مع الإصابات من المشاركة مع المنتخب في أي بطولة مجمعة عبر مسيرته، غير أن هوية رفيقه لا تزال محيرة، فهل سيلجأ حسام حسن إلى محمد هاني كقلب دفاع؟ أم حمدي فتحي؟ أم ياسر إبراهيم الذي رافق ربيعة طويلا في الأهلي؟ أم يعاود الرهان على محمد حمدي في هذا المركز وهو بالأصل ظهير أيسر مثلما فعل في مباراتين وديتين بالإمارات؟ احتمالات كثيرة وقد يكون من بينها خالد صبحي مدافع المصري الذي أجاد في مباراة بوركينا فاسو السابق ذكرها.
ومن الواضح أن الهوية المجهولة لقلب الدفاع الثاني تربك التفكير حتى في ظهيري الجانبين، فلا يمكن الحديث عن أن الظهير الأيسر الأساسي سيكون احمد فتوح أو محمد حمدي، ويصعب التنبؤ بمركز محمد هاني بين الظهير الأيمن وقلب الدفاع كما أشرنا، بل إن الجدل بين خبرة محمد الشناوي في حراسة المرمى وتألق مصطفى شوبير وأحمد الشناوي يزيد من الحيرة واللغط، ما يجعل الخط الخلفي بشكل عام مصدر القلق الأبرز فيما يخص مشاركة الفراعنة في الكان المغربي.
الوسط والهجوم
تمثل عودة إمام عاشور إلى تشكيلة الفراعنة نقطة تحول، فمع كل مساهمات زيزو وتريزيجيه البارزة من خط الوسط منذ تولي حسام حسن المسؤولية، فإن أيًا منهما لا يعتبر اللاعب رقم “8” الكلاسيكي الذي يحمل الكرة إلى الأمام بتمريرات بين الخطوط وتحكم في إيقاع اللعب، وهو ما يعني بعثرة الأوراق أيضا في هذا الخط.
أما في المقدمة، فربما يؤدي ابتعاد مصطفى محمد عن التهديف مع المنتخب منذ مارس 2024 إلى التفكير في اللعب بعمر مرموش كرأس حربة أساسي على أن يتحرك من خلفه صلاح وإبراهيم عادل، أو أن يصعد تريزيجيه إلى مركزه الأصلي في الجناح الأيسر على أن يخلو مكانه في الوسط لإمام عاشور، غير أن كلها افتراضات تحاول الاقتراب مما يدور في رأس العميد الذي يبدو كذلك مقتنعا بأسامة فيصل في قلب الهجوم.
الضغوط
اعتادت مصر منذ عودتها إلى نهائيات الكان عام 2017 على الضغوط التي تزيد يوما وراء يوم مع اقتراب البطولة، فيبدأ الحديث عن الدور ربع النهائي، ثم يرتفع مع الوقت إلى نصف النهائي، ثم النهائي، ثم الكأس! وهو أمر وإن كان مفهوما مع البطل التاريخي للقارة فإنه يفارق المنطق بالنظر لإقامة البطولة المقبلة بالذات على أراضي المغرب وهو المرشح الأول للفوز باللقب.
ويمكن اعتبار تعرض حسام حسن لموجات تشكيك متتابعة -تصل إلى التربص أحيانا- بمثابة ضغط إضافي، لكنه قد يكون مفيدا إذا كان سيرفع كثيرا من الضغط الملقى على اللاعبين وخصوصا صلاح الذي يريد الفوز بلقب مع بلاده بعد خسارة النهائي مرتين من قبل.
ولا شك أن حيرة عدسات الكاميرات ما بين حسام حسن على الخط بتاريخه الكبير، وصلاح على الملعب بتألقه في الذاكرة القريبة، ستُوزِع من الضغط الملقى على الثنائي معا، فيتقاسماه أفضل من أن ينهض أحدهما بالعبء منفردا.
وربما يكون غياب التوفيق عن صلاح مع فريقه الإنجليزي ليفربول في النصف الثاني من 2025 بمثابة دافع له للانطلاق من جديد ولكن بقميص المنتخب، فيظهر أكثر تعطشا لتحقيق اللقب الذي طالما ابتعد عنه، تماما كما ارتفع مستواه مع بدء الأدوار الإقصائية في كان الكاميرون 2021 فكان كالقاطرة التي تسحب الفريق إلى الأمام حتى بلغ الدور النهائي بعد تألق مشهود للحارس محمد أبو جبل.
وقد يبدو صلاح في حاجة إلى حملة تعاطف إفريقية شبيهة بتلك التي صاحبت مشاركة ليونيل ميسي في كأس العالم 2022 وما تضمنته من تمنيات للنجم الأرجنتيني بالفوز باللقب الذي أفلت من بين يديه من قبل، فالملك المصري الآن في الثالثة والثلاثين من العمر، وقد تكون البطولة الحالية الأخيرة في مسيرته وهو لا يزال متمكنا من الوصول إلى قمة مستواه.
أين نحن؟
ينبغي عند النظر إلى خريطة البطولة إدراك أن الكان دائما تحمل مفاجآت، فبوركينا فاسو كانت قريبة من الفوز باللقب عام 2013، والكاميرون رغم غيابات بالجملة في 2017 كانت البطل، ومن ثم لا ينبغي اعتبار القوى التقليدية خارج المنافسة حتى وإن كانت غير مقنعة في المرحلة الحالية، فنيجيريا ستظل قادرة على فعل الأفاعيل حتى وهي غائبة عن المونديال، كذلك الكاميرون وكوت ديفوار والجزائر بل وجنوب إفريقيا.
أما السنغال، فقد مرت بمرحلة تشبيب مع روح مختلفة جاء بها المدرب باب تياو إثر خلافته لأليو سيسيه، كما يظل المغرب مرشحا أول بعوامل الأرض والجمهور والجودة الفنية مجتمعة، فيما تترقب فهود الكونغو الديمقراطية الفرص لمواصلة المفاجآت التي بدأتها مع المدرب الفرنسي سباستيان دسابر في النسخة الماضية حين بلغت نصف النهائي والتي بنت عليها لاحقا الاقتراب من التأهل إلى المونديال.
وسط هذه الوجوه تظل للفراعنة مكانة متميزة، يصنعها ثِقَلُ القميص والتقاليد المميزة للمنتخب في البطولة، إلى جانب الجودة الفنية التي يحظى بها المصريون في خطي الوسط والهجوم، لكن دون أن يعني هذا إعلان الحداد في حال خسارة بفارق بسيط أمام أي من المنتخبات سابقة الذِكر لا قدر الله.
هو فصل جديد سنعيشه من تاريخ مصر مع كأس الأمم، كل الأمل أن يكون غير مخيب، لكن تحليله أيًا تكن حصيلته لا ينبغي أن تكون تحت وطأة الهيستريا التي تصور أي إخفاق وكأنه نهاية العالم.
- صحفي وإعلامي مصري

التعاليق (0)