من السهل جداً أن تجعل من سفيان أمرابط “كبش فداء” بعد تعادل مالي المر، ومن السهل أن تنساق خلف موجة الانتقادات التي نزلت بكل ثقلها على “دينامو” المنتخب المغربي. لكن، وقبل إطلاق الأحكام الجاهزة، دعونا نقرأ ما حدث بعيداً عن العاطفة: أمرابط كان بالأمس اللاعب الأكثر تعرضاً للظلم فوق رقعة الميدان، فقد كان ببساطة “هز الفرقة” وحده، وبمجرد خروجه، رأينا كيف انهمرت هجمات مالي كالسيل على دفاعاتنا.
أمرابط.. “الوحيد” الذي يستر عيوب الخطة
الحقيقة التي يجب أن تُقال هي أن سفيان أمرابط هو من كان يغطي على ضعف “النهج التقني” للمدرب وليد الركراكي. سفيان هو اللاعب الوحيد حالياً القادر على تحمل أعباء خطة (4-1-4-1)، وهي الخطة الوحيدة التي يبدو أن الركراكي يتقنها، وبمجرد التفكير في تغييرها أو غياب “المحارب”، يصبح المنتخب “مترعاً” ومستباحاً أمام أي خصم.
المشكلة في “أسود الأطلس” اليوم ليست في جودة الأسماء؛ فالعالم كله يشهد بتألق نجومنا في أكبر الدوريات الأوروبية، بل المشكلة في “قتل” هؤلاء اللاعبين بتوظيفات غريبة لا تناسب إمكانياتهم. خذوا مثلاً إسماعيل صيباري؛ مكانه الطبيعي هو (10) أو (9.5) ليصنع الفارق من العمق، لكن الركراكي يصر على حبسه كجناح صريح، مما يفقدنا خطورة صيباري والزلزولي معاً.
تخبط في التوظيف.. ضياع المواهب
من الخنوس والزلزولي، إلى العيناوي ودياز ورحيمي؛ أي مدرب في العالم يتمنى امتلاك هذه “الترسانة”، لكن الركراكي وللأسف، لم يستطع حتى الآن توظيف ولو 10% من إمكانياتهم الحقيقية.
والدليل يكمن في “اللا منطق”؛ ففي المباراة الأولى أمام خصم يركن للدفاع (بلوك طايح)، تم الدفع بـ سفيان رحيمي الذي يعشق المساحات، بينما في مباراة مالي التي شهدت ضغطاً ومساحات واسعة، غاب رحيمي ودخل الكعبي الذي يفضل “لابواط” والانتظار في المنطقة. إنه عكس المنطق الكروي تماماً!
الدفاع.. الرهان الخاسر على “الخبرة المنهكة”
أما في الدفاع، فتبدو الأمور أكثر تعقيداً. المدرب لا يزال متمسكاً بـ رومان سايس مهما كانت الظروف، ضارباً بعرض الحائط دماء جديدة كان يمكن أن تضخ الحيوية. سايس، الذي خذلنا في لحظات مفصلية (في نصف نهائي المونديال و أيضا أمام جنوب إفريقيا في النسخة السابقة من الكان)، ظهر مجدداً بدون بديل حقيقي، بعدما تم حرق مدافعين شباب وتجاهل أسماء مثل العزوزي الذي كان بإمكانه سد الفراغ في الدفاع والبناء معاً.
منتخب “بلا هوية” وبطء قاتل
بعيداً عن العاطفة، المنتخب المغربي اليوم يعاني من “بطء قاتل” في التحولات. نحن لا نملك “السم” الهجومي والسرعة التي تمتلكها منتخبات مثل تونس ومصر والجزائر في المرتدات، ولا نملك البناء المنظم والاختراق من العمق كما تفعل السنغال.
لقد كشف أول تحدٍ حقيقي منذ “نكسة” جنوب إفريقيا الوجه الحقيقي الذي كان يحذر منه العقلاء؛ منتخب بدون هوية واضحة، يسير بـ “النية” وبسلسلة نتائج أمام فرق متواضعة، مع لغة خشب تحاول إلصاق الفشل بالجمهور بدل مواجهة أخطاء المدرب.
حتى “التحفيز” ضاع!
حتى نقطة القوة الوحيدة التي ميزت الركراكي في قطر، وهي “التحفيز وشحن اللاعبين”، يبدو أنها تلاشت. المدرب أصبح متوتراً أكثر من اللازم، وهذا التوتر انتقل للاعبين الذين صاروا يلعبون بدون ثقة.
مباراة زامبيا هي “الفرصة الأخيرة” ليس فقط للتأهل، بل لإثبات أن الجمهور المغربي على خطأ. هل يستطيع الركراكي التخلي عن “العناد” والعودة للمنطق؟ أم أن اللقب سيظل بعيداً حتى وهو يلعب في “دارنا”؟

التعاليق (0)