لماذا يرفض النظام الجزائري السلام مع المغرب؟ خبير آسيوي يكشف “السِّرَّ”

ملك المغرب محمد السادس ورئيس الجزائر مختارات ملك المغرب محمد السادس ورئيس الجزائر

يحلل خبير آسيوي أسباب رفض الجزائر السلام مع المغرب، مؤكدًا أنه ليس لـ"أسباب جيوسياسية" بل لحماية النظام من "الانهيار الداخلي". يرى أن خطاب "العداء الخارجي" يشرعن هيمنة العسكر ويغطي على المشاكل الداخلية. يربط الخبير دعم أمريكا لمقترح الحكم الذاتي المغربي بالاستقرار الإقليمي، بينما يدعو الملك محمد السادس للحوار، مؤكدًا أن السلام يكشف الحقائق.

في خضم التوتر الإقليمي الذي طال أمده بين المغرب والجزائر، تأتي تصريحات دامسانا رانادهيران، الخبير الأمني الآسيوي، لتقدم قراءة مغايرة ومحورية لجوهر الأزمة. هذه التصريحات لا تكتفي بوصف الخلاف، بل تنفذ إلى الدوافع العميقة للرفض الجزائري، لتضع أصبعها على نقطة حساسة: هل يرفض النظام الجزائري السلام ليس لقناعات جيوسياسية، بل لحماية بنيته الداخلية الهشة؟

تفكيك “حاجز الخوف” الجزائري

يقول رانادهيران بوضوح إن رفض الجزائر للسلام ليس مدفوعاً بالرغبة في الاستقرار الإقليمي، بل هو “خوف من كشف هشاشة نظام العسكر والاختلالات العميقة في مؤسسات الدولة الجزائرية”. هذا ليس مجرد اتهام سياسي عابر، بل تحليل ينفذ إلى عمق العلاقة بين القيادة الجزائرية وقاعدة سلطتها.

ماذا يعني؟

  • أسطورة “العدو الخارجي”: يرى الخبير أن أي اتفاق سلام سيحرم النظام الجزائري من “خطاب العداء الخارجي” الذي يعتمد عليه لتبرير هيمنته الداخلية. ببساطة، العداء للمغرب هو الوقود الذي يشرعن وجود وسيطرة المؤسسة العسكرية ويغطي على المشاكل الداخلية. إذا زال “الخطر المغربي”، سيتجه اللوم الشعبي حتماً نحو الداخل بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
  • “تقرير المصير”: غطاء استراتيجي: التصريح يجرّد شعار “حق تقرير المصير” الذي تتبناه الجزائر من بعده الإنساني والسياسي، ليتضح أنه مجرد “غطاء لتبرير استمرار السيطرة العسكرية وقمع المعارضة وسوء تسيير الموارد ومعاكسة كل ما هو مغربي”. هذا يؤكد الرؤية المغربية بأن الأجندة الجزائرية هي أجندة هيمنة إقليمية وليست دعماً لقضية عادلة.

ثمن الجمود: المغرب الكبير هو الخاسر

يشير رانادهيران إلى أن عقود العداء الصامت أدت إلى “شلل سياسي وجمود اقتصادي في المغرب الكبير”. هذه النقطة تلامس صميم المعاناة المغربية والمغاربية.

لقد أدى إغلاق الحدود والتعطيل المتعمد للتكتل الإقليمي (اتحاد المغرب العربي) إلى إبعاد “أجيال كاملة عن الاستفادة من مزايا التكامل”، هذا يعني: فقدان فرص تجارية واسعة، تكلفة نقل وبضائع أعلى، وتضييع للطاقات البشرية والمادية. إنها خسارة بمقدار قارة صغيرة على شعوب المنطقة بأكملها.

الدعم الأمريكي: ليس رمزية بل استراتيجية إقليمية

يضع الخبير الآسيوي الدعم الأمريكي لمقترح الحكم الذاتي المغربي في إطار استراتيجي عميق، وليس مجرد مناورة دبلوماسية. لقد أصبحت المبادرة المغربية “حجر الزاوية في الاستراتيجية الأمريكية الممتدة من سواحل الأطلسي إلى الساحل الإفريقي”.

  • المملكة: ركيزة الاستقرار: مع انهيار الاستقرار في منطقة الساحل بسبب التمردات والانقلابات، أصبحت واشنطن ترى في المغرب “ركيزة مستقرة وقوية” تُعتمد عليها في مكافحة الإرهاب، حماية الملاحة، وتطوير الاقتصاد. هذا الاعتراف يعزز المكانة الدولية للمغرب ويبرهن على مصداقية مبادرة الحكم الذاتي كحل “جاد وواقعي وذو مصداقية”.

صوت الحكمة المغربي: دعوة ملكية للحوار الأخوي

في مقابل هذا التحليل الذي يركز على دوافع الخوف والهشاشة الداخلية في الجزائر، تظل المقاربة المغربية قائمة على المنطق الإنساني والمسؤولية التاريخية. وقد تجسد ذلك بوضوح في الرسالة المباشرة التي وجهها الملك محمد السادس إلى الرئيس الجزائري.

فقد دعا الملك محمد السادس إلى “حوار أخوي صادق، بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار”. كما جدد الالتزام بمواصلة العمل “من أجل إحياء الاتحاد المغاربي، على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون والتكامل، بين دوله الخمس”. هذه الدعوة الصريحة تضع الكرة بوضوح في الملعب الجزائري، وتكشف بذكاء أن هدف المملكة هو الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، في تناقض صارخ مع دوافع “العداء الخارجي” التي ينسبها الخبير الآسيوي للنظام الجزائري.

فُرصة سلام تكشف المستور

إن تصريحات رانادهيران، المدعومة بدعوة الملك محمد السادس إلى الحوار، ترسم صورة واضحة: المنطقة تقف اليوم أمام “فرصة سلام طال انتظارها”. هذه الفرصة، المدعومة بالتغيرات الجيوسياسية والدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، تضع القيادة الجزائرية أمام مفترق طرق حاسم.

إذا استمرت الجزائر في رفض الحوار الأخوي والالتفات إلى دعوة إعادة بناء الاتحاد المغاربي، فإنها تؤكد صحة تحليل الخبير الآسيوي: أن الخوف من كشف التناقضات الداخلية وتفكك خطاب “العدو الخارجي” هو الدافع الحقيقي. في حين يثبت المغرب، بدعوته الملكية الصادقة، أن الهدف هو بناء مستقبل مشترك يخدم شعوب المنطقة. فالسلام يكشف، والحكمة تقول إن من يخشى كشف هشاشته لن يجد مفراً منها للأبد.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً