المصدر: الصحيفة

على الرغم من أنه لم يُبدِ عمليا أي نية لاحترامه سابقا، إلا أن إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مساء أمس الاثنين، وقف العمل بالاتفاق السياسي الليبي الذي جرى توقيعه بمدينة الصخيرات بدعم قوي من المغرب وبرعاية الأمم المتحدة، أعاد للأذهان الطريقة التي تعاملت بها الإمارات، الممول الرئيس لقوات حفتر، مع هذا الاتفاق منذ بداية العمل به في 2015، ضاربة عرض الحائط المجهودات الدبلوماسية للرباط التي لا تريد أن تتحول المنطقة المغاربية إلى رقعة شاسعة جديدة للفوضى.

لكن الحرب الإماراتية على المجهودات الدبلوماسية للمغرب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تكن تحتاج لهذه الخطوة حتى تتأكد، فالأمر تكرر أيضا في ملفات أخرى أبرزها الملف اليمني الذي كاد أن يجد حله على يد الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر، قبل أن يواجه حربا شرسة من أبو ظبي، بل إن الإمارات اعتبرت أن مجرد محاولة إيجاد مصالحة في ملف الأزمة الخليجية مبررٌ كاف لإعلان العداء للمغرب.

ليبيا: إقبار لجهود المغرب

وكانت المجهودات الدبلوماسية المغربية قد استطاعت أن تحصل على ثقة الفرقاء الليبيين والأمم المتحدة للجلوس إلى طاولة الحوار بمدينة الصخيرات، من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي فتيل الحرب التي اندلعت في 2014، وبعد مجهود قارب 3 أشهر أشرف عليه المبعوث الأممي إلى ليبيا آنذاك، مارتن كوبلر، استطاعت جميع الأطراف الوصول إلى صيغة أُحدثت بموجبها مؤسسات الدولة الليبية، الممثلة في حكومة الوفاق ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.

لكن هذا الاتفاق ما لبث أن تحول إلى مجرد “حبر على ورق” لدى حفتر، الذي قرر اللجوء للقوة للسيطرة على الحكم في البلاد مستندا على قوات شرق ليبيا التي أطلق عليها اسم “الجيش الوطني الليبي”، والتي تحظى بدعم مصري إماراتي صريح، دفع المجلس الأعلى للدولة في ليبيا المعترف به أمميا إلى إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات شهر يناير الماضي.

وفي الوقت الذي كان فيه المغرب يواصل محاولاته لدعم المؤسسات الشرعية في ليبيا في إطار رغبة معلنة لعاهل البلاد في بناء الاتحاد المغاربي، والتي كانت آخر ملامحها احتضان الرباط المنتدى الليبي الدولي الاقتصادي الاستثماري الأول في نونبر الماضي، شرع حفتر في هجومه على العاصمة طرابلس، وهو الهجوم الذي اتهم فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، دولة الإمارات بالتورط فيه.

لكن هذا الهجوم كان بداية الاندحار لقوات حفتر، بعدما أفقده الدعم العسكري التركي للقوات الموالية لحكومة الوفاق التقدم الذي سبق أن حققه في مناطق الغرب الليبي، فلم يبق له إلا المرور لمرحلة أكثر “راديكالية” أعلن فيها اليوم الاثنين “تولي قيادة ليبيا” و”إسقاط الاتفاق السياسي”، هذا الاتفاق الذي أصرت وسائل إعلام إماراتية على تسميته بـ”اتفاق الصخيرات”.

اليمن: حرب على بن عمر

أما في الساحة اليمنية فقد كانت مجهودات دبلوماسية مغربية أخرى تتلقى الضربات من الإمارات العربية المتحدة، لكنها هذه المرة ليست مجهودات “دولة” بقدر ما هي مبادرات “عقل” دبلوماسي حظي بثقة الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، ويتعلق الأمر بمستشاره وموفده الشخصي جمال بن عمر، المغربي البريطاني الذي كلفته محاولة إنهاء الحرب الليبية اليمنية متاعب قضائية وقصفا إعلاميا.

وكان بن عمر قد بدأ مهامه في أبريل من سنة 2011 ونجح في تحقيق عدة توافقات أصابها استيلاء الحوثيين على السلطة في شتنبر 2014 في مقتل، ما دفعه إلى بدأ شوط ثاني من المفاوضات الماراثونية كادت، وفق تأكيداته، أن تؤدي إلى إنهاء الأزمة في 2015، لولا التدخل العسكري العربي الذي قادته السعودية والإمارات، الشيء الذي أجبره على الاستقالة من منصبه في أبريل من العام نفسه.

وكان على بن عمر بعد ذلك أن يواجه حربا إعلامية قادتها منابر إماراتية، اتهمته بـ”تدمير اليمن” و”موالاة الحوثيين” و”تلقي أموال من قطر”، قبل أن يواجه معركة أكبر أمام القضاء الأمريكي هذه المرة، عندما ورد اسمه في القضية التي رفعها إليوت برويدي، نائب رئيس اللجنة المالية بالحزب الجمهوري وجامع تبرعات حملة دونالد ترامب الانتخابية، والتي كانت موجهة أساسا ضد الدوحة التي اتهمها بقرصنة بريده الإلكتروني، وهي الاتهامات التي أسقطها القضاء الفيدرالي بلوس أنجلوس.

لكن في نونبر من سنة 2018، كانت هذه القضية سببا في خروج جمال بن عمر عن صمته لأول مرة منذ استقالته من مهامه في اليمن، ليؤكد أن التدخل العسكري في هذا البلد لم يكن له مبرر، بل إنه تحدث عن كون الإمارات إلى جانب السعودية لم تكونا راضيتين عن حدوث انتقال ديمقراطي هناك، حيث إن قادتهم أرادوا أن تكون لهم الكلمة العليا بالمنطقة، موردا أن آخر تقرير قدمه لمجلس الأمن حذر من “العواقب الكارثية لقرار الحرب التسرع”.

الأزمة الخليجية: جزاء سنمار

وكان المغرب قد عرض وساطته الدبلوماسية أيضا عقب الأزمة الخليجية في 5 يونيو 2017، حيث أعلنت وزارة الخارجية المغربية يوم 11 يونيو أن الملك محمد السادس قام منذ اندلاع الأزمة “باتصالات موسعة ومستمرة مع مختلف الأطراف، داعيا جميع الأطراف “لضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي انسجاما مع الروح التي ظلت سائدة داخل المجلس”.

وشددت الرباط على أن “المملكة المغربية تفضل حيادا بناء لا يمكن أن يضعها في خانة الملاحظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة”، مؤكدة أن “المملكة التي تربطها علاقات قوية بدول الخليج في كافة المجالات، رغم أنها بعيدة عنها جغرافيا، تشعر أنها معنية بشكل وثيق بهذه الأزمة دون أن تكون لها صلة مباشرة بها”.

غير أن هذه البادرة لم تلق ترحيبا من طرف الجانب الإماراتي السعودي، على عكس قطر التي أبدت ترحيبا بالمجهودات المغربية، وهو ما دفع الملك محمد السادس إلى زيارة الدوحة في نونبر من العام نفسه، ليكون أول رئيس دولة عربية يزور الدوحة منذ بداية الأزمة، ليحظى باستقبال كبير من طرف أمير البلاد تميم بن حمد آل ثاني.

لكن المنطق الإماراتي السعودي وقتها، الذي يصنف المتعاملين مع قطر في خانة “الخصوم”، لم ترقه هذه الخطوة، ليرد عليها بضرب العديد من مصالح المغرب مثل الوقوف ضد ملف ترشيحه لاحتضان كأس العالم 2026 وبث تقارير تلفزيونية تشكك في مغربية الصحراء، دون الالتفات إلى مبادرة الرباط الدبلوماسية التي كانت تهدف إلى وساطة قد تُقبر الأزمة في مهدها.

المقالات الأكثر قراءة

التعليقات مغلقة.