هل تلوح فرصة مصالحة تاريخية بين المغرب والجزائر؟

علمي المغرب والجزائر آراء علمي المغرب والجزائر

بقلم: نجيب الأضادي

تعود المنطقة المغاربية اليوم لتتصدر دائرة الاهتمام الدولي، وسط مؤشرات هادئة تعكس احتمال عودة قنوات التواصل بين المغرب والجزائر، في سياق تحولات جيوسياسية عميقة، وبدفعٍ من وساطة أمريكية متزايدة الوزن، تعكس رغبة واشنطن في بناء فضاء مستقر يخدم مصالحها الاستراتيجية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.

لا يمكن قراءة أي حديث عن الانفراج المحتمل بمعزل عن الخطاب الملكي التاريخي بتاريخ 31 أكتوبر 2025، والذي حمل رسائل قوية وواضحة في اتجاه فتح صفحة جديدة مع الجزائر، وتمسك المغرب بثوابته دون انغلاق، مع استعداد دائم للحوار على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار. كان ذلك الخطاب امتدادًا لنهج ثابت في خطابات المسيرة الخضراء السابقة، حيث شدد جلالة الملك مرارًا على أن «الشعبين المغربي والجزائري أشقاء تجمعهم روابط الدم والدين والتاريخ والمصير»، وأن الحدود المغلقة «غير منطقية وغير طبيعية»، في دعوة صريحة إلى تجاوز سنوات التوتر والصمت الدبلوماسي.

تطور الموقف الأمريكي في الأشهر الأخيرة لم يأتِ من فراغ. فقد صدرت تصريحات لعدد من المسؤولين في واشنطن — من الخارجية الأمريكية ومراكز القرار — تؤكد دعم الولايات المتحدة للاستقرار الإقليمي، وترحب بأي خطوات تهدف إلى نزع فتيل التوتر بين الرباط والجزائر. تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول ضرورة شراكة مغاربية متماسكة في ملفات الطاقة والأمن ومحاربة الإرهاب، بالإضافة إلى سعي واشنطن لتأمين الممرات الطاقية عبر المتوسط وتطويق نفوذ المنافسين الجيوسياسيين، تعزز فرضية أن اللحظة مواتية للتقارب أكثر من أي وقت مضى.

هنا تبرز الدبلوماسية الملكية المغربية، تلك التي لطالما اتسمت بأعصاب هادئة وحكمة استراتيجية، لا تنجر إلى الاستفزاز ولا تغلق الأبواب، بل تراكم الثقة بصمت وتُراهن على شرعية التاريخ وواقعية المستقبل. الرباط تدير الملفات الكبرى بخطاب متزن دون ضجيج سياسي، وتشتغل على بناء التحالفات الدولية وتثبيت المكتسبات الدبلوماسية، وفي مقدمتها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه.

على الضفة الأخرى، يدرك الشارع المغاربي قبل السياسيين أن المصالحة ليست خيارا دبلوماسيا وفقط بل ضرورة تاريخية، وأن كلفة القطيعة أكبر بكثير من كلفة التقارب. شعوب المنطقة تنتظر لحظة تذوب فيها الصراعات القديمة، وتفتح الحدود، ويستعاد منطق «الجار قبل الدار». فرص الاقتصاد والتكامل الاستراتيجي هائلة: سوق مشتركة تتجاوز 100 مليون نسمة، ومشاريع طاقية كبرى، وأمن إقليمي موحد يواجه تحديات الإرهاب والهجرة وتهريب السلاح.

اليوم، لم تعد المصالحة مجرد “حلم دبلوماسي”، بل أفق ممكن بشرط أن تلتقي الإرادة السياسية مع اللحظة الدولية المناسبة. لا ضمانات مؤكدة بعد، ولا اتفاق معلن، لكن المؤشرات تتراكم، والوساطة الأمريكية تتحرك، والخطاب الملكي وضع الأساس الأخلاقي والسياسي لأي بداية جديدة.

قد تكون الطريق طويلة، وقد تحتاج إلى حكمة وضبط نفس وقرارات شجاعة من الجانبين، لكن التاريخ يعلمنا أن الفرص لا تأتي كثيرا.. وإذا جاءت، لا ينبغي أن نتركها تمضي مرة أخرى.

  • كاتب ومدون مغربي

التعاليق (0)

اترك تعليقاً