وزارة الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة

وزارة الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة دين ودنيا وزارة الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة

أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن خطبة الجمعة 10ربيع الآخر للسنة الهجرة 1447.. موقع “أنا الخبر” يقدم لكم الخطبة كاملة:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه خطبة الجمعة ليوم 10 ربيع الآخر 1447هـ الموافق لـ 03 أكتوبر2025م «الحرص على تجنب الوقوع في التهلكات»

خطبة الجمعة الأولى:

الحمد لله الذي خلـــق الإنسان وعلمـــه البيان، وأضاء طريقه بنــــور القرآن، وأرشـــده إلى ما فيــــه صــــلاح معاشـــه ومعــــاده، فبين له الحلال والحرام من الأفعـال والأقوال والنيات، نحمده تعالى عـلى ما أولى؛ فهــو سبحانه مـــــولانا وهـو نعـم الـمولى، ونشهـد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة صدق ويقين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الـمجتبى، رفع به الإصر والأغلال عـن الأمة، فأحل لها الطيبات وحرم عليها الخبائـــــث، صلى الله وسلم عليه وعلى آلـه الأطهــــار، وصحابته الغر الــميامين الأخيـــــار، وعلى التابعين لهم ما تتـــــابع الليـــــل والنهــــار.

أما بعد؛ فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، يقول الله تعالى في محكم الآيات: ﴿وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُۥٓ إِلَى اَ۬لتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوٓاْۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ ا۬لْـمُحْسِنِينَۖ﴾([1]).

عباد الله؛ في هذه الآية الكريمة يحذر الحق سبحانه من إلقاء النفس إلى التهلكة، ودعا إلى الإحسان، وبين أنه تعالى يحب المحسنين.

وقد جاءت في سياق الأمر بالإنفاق في سبيل الله، وذكر بعض المفسرين أن (التهلكة) هي البخل والشح، وهو معنى صحيح؛ ولكن الآية أصبحت دليلا عاما يستعمله العلماء في كل ما يوقع في الهلاك من الأقوال والأفعال والنيات؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

و(التهلكات) أو(المهلكات) التي يجب التحذير منها متعددة، وتشمل كل ما يمس الدين والنفس والعرض والعقل والمال.

وذكر النبي ﷺ جملة منها في قوله عليه الصلاة والسلام: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»([2]).

وهذه الموبقات – بمعنى المهلكات السبع – خطر على الدين والأنفس والأعراض والأموال، وعلى أمن البلاد؛ وهو المراد بالتولي يوم الزحف؛ فالخائن لأمته ووطنه موبق لنفسه ولغيره.

ومن الموبقات المهلكات: تأليه الهوى وعبادته واتباع شهوات النفس وشبهاتها.

ومنها الاستهانــــة بالأنفـــــس والأعـــــراض، واحتقـــــار الغير وازدرائُــــــه؛ كما قـــــال النبـــــــــي ﷺ: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»([3]).

ومنها الغيبة والنميمة وقول الزور والإشارة إلى الغير بســـــوء، وهـــــذه من المهلكات الخطيـرة للمجتمعات، والمفسدات للعـلاقات بين الناس؛ فالغيبــة صورها القرآن الكريم تصــويرا بشعا للتنفير منها، فقال عــز من قائل: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَّعْضُكُمْ بَعْضاً اَيُحِبُّ أَحَدُكُمُۥٓ أَنْ يَّاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتاً فَكَرِهْتُمُوهُۖ﴾([4]).

وقال النبي ﷺ: «لا يدخل الجنة قتات»([5])؛

أي نمام؛ فمن الناس من جعل النميمة حرفته ومصدر رزقه؛ يعيش على إفساد العلاقات بين الناس – والعياذ بالله -، ويزعم أنه يقدم لهم خدمة.

ومنها أكل أموال الناس بالباطل؛ عن طريق الغش في المعاملة أو السرقة أو الغصب أو التحايل أو عدم إتقان العمل، أو الغش في الوظيفة وخيانة الأمانة، وأكل المال العام أو غيرها من كل طريق غير مشروع؛ يقول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَاكُلُوٓاْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ﴾([6]).

ومنها عدم أداء المهام على وجهها؛ إذ يجب وضع الأمور في نصابها، وأداء المهام المادية والمعنوية والتعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على وجهها الصحيح المفيد للوطن والمواطنين، كما وضعها المشرع ووافقت عليها الأمة، وإلا كان ذلك إلقاء للنفس والغير إلى التهلكة.

عباد الله؛ يقول النبي ﷺ: «دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة»([7])؛

فكلما كان المسلم صادقا مع الله ومع نفسه ومع أمته ووطنه، كان سعيدا مطمئنا، وكلما غش وخالف الصواب في سلوكه، عاش في الريبة والشك والوساوس القاتمة.

نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

خطبة الجمعة الثانية:

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله؛ ومن أخطر التهلكات أيضا: الإدمان بأنواعه وأشكاله، والمراد بالإدمان هنا؛ الانشغال بكل ما يضر جسدا أو عقلا أو مجتمعا، فكل عادة تعود على النفس والغير بالضرر تدخل في هذا الإطار.

وأخطر أنواع الإدمان؛ الإدمان على المخدرات المفسدة للعقول، ومن ثم يسري الفساد إلى سائر مناحي الحياة؛ إذ العقول هي مناط التكليف، والقيمة المميزة للإنسان عن غيره من الحيوانات، كما قال الشاعر:

لَوْلَا الْعُقُـــــولُ لَكَانَ أَدْنَى ضَيْغَمٍ

أَدْنَى إِلَى شَـــــرَفٍ مِــــنَ الْإِنْسَـــانِ([8]).

وَقَالَ آخَرُ:

وَمَا الْـمَـــرْءُ إِلَّا اثْنَانِ: عَقْــــلٌ وَمَنْطِقٌ

فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا فَقَـــــدْ دَمَـــــــرَ([9]).

أي: هلك؛ فالإنسان بعقله، وقيمتُه على قدر احترامه لعقله.

ومن أخطر أنواع الإدمان كذلك – خصوصا في هذا العصر-: إدمان الإنسان على مواقع التواصل، والانشغال بها عن نفسه وأهله وذويه، وإضاعةُ الوقت فيها، والوقت أنفس ما يملك الإنسان؛ إذ هو وعاء عمله وفراغه قبل شغله، والغافل عنه مشموت على كل حال؛ كما قال النبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ»([10])؛

ومعنى «مغبون» مخدوع ممكور به؛ لأنه فوَّت على نفسه استغلال أنفس ما عنده وهو الوقت.

وأخطر ما في هذه المواقع بعد إضاعـة الوقـت، الانشغالُ بأعراض الناس والوقوع فيها، والتيهُ فيما لا يعنيــه، ونشــرُ الزور والكذب بتحويـلات المنشورات المختلفة على أصحابـه؛ زاعما أنه يقدم إليهم شيئا مفيـدا، والأمر على العكــس؛ فــلا تشغل – أخي المسلـم أختي المسلمة – نفسك وغيرك بما لا يعنيك، تعش سعيدا سليم الصدر مطمئن النفس؛ وهذا ما يورث الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.

ومسك ختام الكلام، أفضل الصلاة وأزكى السلام، على ملاذ الورى في الموقف العظيم؛ فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين، كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين، ومن تبعهم وسلك نهجهم القويم إلى يوم الدين.

وانصر اللهم عبدك الخاضع لجلالك وسلطانك، المؤيد بفضلك وامتنانك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس، نصرا عزيزا تعز به أولياءك من عبادك، وأسبـــغ عليـــه من فيـــض ألطافك الخفية أردية الصحة والعافيــة، مشمولا بعنايتك، محفـوظا برعايتك، قرير العيـن بـولي عهـده المحبوب صاحب السمو الملكي، الأمير الجليل مولاي الحسن، مشدود الأزر بصنوه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفــراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.

وارحم اللهم الملكين الجليلين، مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وارفع درجاتِهما في أعلى عليين، مع المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهم أصلح أحوالنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واهدنا واهد شبابنا لما تحبه وترضاه، واعصمنا وإياهم من شر كل ذي شر، ومن شر التهلكات المختلفـــــة، واحفـظ لنا ديننا الـذي هو عصمة أمرنا، ودنيـــــانا التي فيــها معاشنا، وآخــرتنا التي إليها معــادنا، واحفظ لنا عقولنا من سفاسف الأمور، وجـوارحَنا من سخائف الفجــور، واجعلنا من العاكفين على الوقوف ببابك، المستجيــــــرين بك من عذابك، وارحمنا وارحـــــم آباءَنا وأمهاتِنا وسائرَ موتانا وموتى المسلمين، آمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

سبحان ربك رب العزة عما يصفون

وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين.

([1]) سورة البقرة، الآية رقم: 194.

([2]) صحيح البخاري، باب في قول الله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما 4/10؛ رقم الحديث بمنصة محمد السادس 115.

([3]) صحيح مسلم، باب تحريم ظلم المسلم 8/10؛ رقم الحديث بالمنصة 4409.

([4]) سورة الحجرات، الآية رقم: 12.

([5]) صحيح البخاري، باب ما يكره من النميمة 8/17. رقم الحديث بالمنصة 133.

([6]) سورة النساء، الآية رقم: 29.

([7]) سنن الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع 4/668. رقم الحديث بالمنصة 9547.

([8]) البيت للمتنبي في قصيدة مطلعها: الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني.

([9]) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 364.

([10]) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب لا عيش إلا عيش الآخرة 8/88؛ رقم الحديث بالمنصة:

التعاليق (0)

اترك تعليقاً