بقلم: وليد الميموني
في خطاب مَلَكي سامي موجه لبرلمانيي الأمة يحمل بين طياته توجيهًا صادقًا ونَفَسًا إصلاحيًا عميقًا، وقف جلالة الملك محمد السادس، كعادته، موقف القائد المسؤول، الذي يُشخّص بدقة ويقترح بحكمة، منطلقًا من محبة الوطن وحرصه على مستقبل أبنائه. ومن بين كل ما قيل، برزت عبارتان رنانتان، بسيطتان في مظهرهما، ثقيلتان في معانيهما، تشكلان دعامة لتغيير حقيقي إذا ما تم تفعيلهما:
“ندعو الجميع، كل من موقعه، إلى محاربة كل الممارسات التي تُضيع الجهد والوقت والإمكانات.”
هذه العبارة تُجسد دعوة صريحة إلى التحلي بروح المسؤولية، والانخراط الجماعي في محاربة السلوكات التي تَحول دون تحقيق التقدم الحقيقي. فجلالة الملك هنا لا يخاطب فئة معينة، بل يخاطب الجميع، كلٌّ من موقعه، سواء كان مسؤولًا، موظفًا، طالبًا، أو مواطنًا بسيطًا.
الوقت، والجهد، والإمكانات، هي ثروات الأمم في هذا عصرنا هذا. وعندما تُهدر هذه الثروات بسبب الفساد، أو التهاون، أو ضعف التخطيط، فإن الوطن بأسره يدفع الثمن. فالدعوة هنا ليست فقط إلى نبذ السلوكيات السلبية، بل إلى بناء ثقافة جديدة، قائمة على العمل الجاد، والإنتاجية، والمحاسبة.
ليختتم جلالته بقوله تعالى”فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.”
بهذه الآية الكريمة، يختم الملك فقرة غاية في العمق، مُذكرًا بأن كل عمل يُحسب، وكل أثر يُرى، سواء أكان خيرًا أو شرًّا. إن هذه الآية التي تختزل مبدأ العدالة الإلهية، تصلح أيضًا لتكون قاعدة للحكم الصالح والمواطنة الفاعلة.
وهي دعوة للتأمل في نتائج الأفعال، وحثّ على الإخلاص في العمل، ولو كان بسيطًا، لأن الجزاء كما يقول النص لا يغفل شيئًا. كما أنها تذكير بأن لا شيء يضيع، سواء في ميزان الله أو في سجل التاريخ.
هاتان العبارتان، وإن بدتا بسيطتين، إلا أنهما تشكلان برنامجًا أخلاقيًا وتنمويًا متكاملًا ،فالأولى تدعو إلى محاربة التسيب واللامبالاة والفساد. والثانية تحفّز على الإخلاص والضمير ومحاسبة الذات.
وهكذا، فإن خطاب الملك محمد السادس يُلخّص في هاتين الجملتين مسارًا واضحًا، لا تقدم بدون مسؤولية، ولا نهضة بدون ضمير.
ومن هنا، فإن استيعاب هذه الرسائل وتفعيلها على أرض الواقع، هو السبيل إلى بناء مغرب قوي، متماسك، وعادل.
- رئيس منظمة السلام المغربية للمواطنة وحقوق الانسان
التعاليق (0)