كيف تمهّد واشنطن لمخرج يحفظ ماء وجه الجزائر ويمهّد لقبول الحكم الذاتي؟

واشنطن تمهّد لمخرج يحفظ ماء وجه الجزائر.. الملك محمد السادس والرئيس الجزائري وترامب مختارات واشنطن تمهّد لمخرج يحفظ ماء وجه الجزائر.. الملك محمد السادس والرئيس الجزائري وترامب

لم تكن تصريحات مسعد بولس، مستشار وزير الخارجية الأمريكي، على قناة فرانس 24 مجرد تحليل عابر، بل كانت بمثابة خارطة طريق دبلوماسية ذكية من واشنطن. الهدف منها هو بناء “رواية إنقاذ” تُمكّن الجزائر من الانخراط في مسار الحل السياسي لقضية الصحراء المغربية دون الظهور بمظهر المنهزم أو المغلوب على أمره.

إدراك واشنطن للحقائق الثابتة

تدرك الدوائر الأمريكية تماماً أن المشهد يتشكل وفق ثلاث وقائع لا يمكن تجاوزها:

  • ثبات الموقف المغربي: المغرب ثابت على مشروعه، والحكم الذاتي هو سقفه الأقصى الذي لا رجعة فيه.
  • الإجماع الدولي المتزايد: المجتمع الدولي بات يميل بشكل متزايد واعتباره الحل الوحيد الجدي وذي المصداقية.
  • حساسية النظام الجزائري: النظام الجزائري بنى خطابه الرسمي لخمسة عقود على الرفض المطلق، مما يجعل أي تراجع تحدياً وجودياً داخلياً ويتطلب مُسوّغات لغوية مُعدة مسبقاً.

مداخل بولس الخطابية: توفير المُسوّغات الداخلية للجزائر

لذلك، قدم بولس مجموعة من المداخل الخطابية المُصممة بعناية لتوفير الغطاء السياسي الذي يحتاجه النظام الجزائري لتبرير التحول أمام الرأي العام:

1. التأكيد على الجوهر مع ترك هامش تفسير

رسالة بولس: أكد أن الموقف الرسمي الأمريكي هو دعم الحكم الذاتي، لكنه في الوقت ذاته ذكر أن القرار الأممي “ترك الباب مفتوحاً”.
هذا التناقض الظاهري هو لغة “المرونة الشكلية”. واشنطن تؤكد على جوهر الحل (الحكم الذاتي) وتُخفف من حدة القبول بترك “هامش تفسير” للجزائر للقول بأنها لم تُفرض عليها إرادة طرف واحد، بل انخرطت في مسار “مفتوح”.

2. الموازنة الخطابية لإنقاذ رمزية القيادة

رسالة بولس: أبرز “حكمة الملك محمد السادس وحكمة الرئيس عبد المجيد تبون”.
هذه ليست مقارنة فعلية أو تقييماً سياسياً، بل هي لغة “تلطيف” تهدف إلى إنقاذ رمزية القيادة الجزائرية أمام الشارع. وضع القيادتين في مقام الشريك القادر على اتخاذ “قرار حكيم” بالانخراط في الحل، يوفر غطاءً للطرف الذي وقع عليه الضغط.

3. تقديم “التحديث” كغطاء تقني للقبول

رسالة بولس: تحدث عن “وثيقة مغربية جديدة مبنية على مبادرة 2007”.
هنا يكمن الذكاء الدبلوماسي. المغرب لا يغيّر جوهر الحل، لكن الترويج لفكرة “الوثيقة الجديدة” أو “التحديث” هو الغطاء التقني الذي تحتاجه الجزائر. يمكنها أن تدّعي أنها لم تقبل الحل القديم المرفوض، بل وافقت على صيغة مطورة، مما يُجنبها اتهام “الاستسلام” الداخلي.

4. تحويل الرفض الجوهري إلى خلاف شكلي

رسالة بولس: أشار إلى أن جبهة البوليساريو “رحّبت مع تحفظات”، كما قال إن الجزائر كانت قريبة من التصويت الإيجابي لولا جملة واحدة في المقدمة.
هذه النقطة هي “مفتاح الهروب” من مأزق الرفض المبدئي. فهي تُلغي حجة الرفض الجوهري وتؤكد أن الأزمة مع الجزائر أصبحت أزمة “شكلية” تتعلق بالصياغة أو التوقيت، مما يمهد لتبرير القبول المستقبلي باعتباره “تصحيحاً لخطأ شكلي” وليس تراجعاً عن مبدأ.

الدبلوماسية هندسة مخارج وليست صراخاً

تصريحات بولس لا تُعد أبداً ضد المغرب، بل هي جزء من عملية تهيئة دبلوماسية مُحكمة. الحكم الذاتي هو الحل النهائي الذي يتجه إليه المسار الفعلي، والمغرب ثابت على موقفه بدعم دولي متزايد.

الجزائر، التي تحتاج إلى سيناريو يحفظ ماء وجهها لتجنب التداعيات الداخلية، تجد في واشنطن الجهة التي توفر لها هذا السيناريو لفظياً فقط. الحسم الفعلي يتجه حيث أراده المغرب، وتُستخدم اللغة الرمادية المُصطنعة لضمان “هبوط ناعم” للجزائر في مسار الحل. فالدبلوماسية ليست صراخاً، بل هي هندسة مخارج تُسهّل على الأطراف الصعبة الانخراط في الحقائق الجديدة.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً