النفاق الاستراتيجي في الساحل: هكذا يُسقط الواقع قناع “دعم مالي” الجزائري

منطقة الساحل آراء منطقة الساحل

المقال ينتقد النفاق الاستراتيجي الجزائري في الساحل، خاصة في دعمها المزعوم لوحدة مالي. يرى المقال تناقضًا بين الخطاب الجزائري الداعم للاستقرار وتجاهلها لتمدد الجماعات المسلحة، مما يضر بالأمن الإقليمي، خاصة المغرب. يركز المقال على أن هذا التناقض يهدد الأمن المغاربي، ويعيق التعاون الأمني، ويدعو إلى رؤية واقعية للأمن الإقليمي.

في دهاليز السياسة الخارجية، غالبًا ما تُرفع الشعارات البراقة للتغطية على الحقائق الميدانية المعقدة، لكن في بعض الملفات، يصبح التناقض صارخًا لدرجة أن القناع يسقط مكشوفًا أمام الجميع. هذا هو بالضبط المشهد الذي يتكشف في منطقة الساحل، وبالتحديد في مقاربة الجزائر لملف مالي.

كلما خرجت وزارة الخارجية الجزائرية ببيانات رنانة، مُعلنةً دعمها “الثابت” و”اللامشروط” لوحدة واستقرار مالي، يتكشف على الأرض عكس ذلك تمامًا. لقد أصبح هذا التناقض ليس مجرد “غموض دبلوماسي” أو “تناقض عابر”، بل هو نفاق استراتيجي مكتمل الأركان.

تناقض يمزق وحدة الساحل

كيف يمكن لدولة تزعم أنها تقف في خندق الدفاع عن وحدة مالي وسلامة أراضيها أن تغض الطرف بهذا الشكل عن التمدد المقلق للجماعات المسلحة التي لا تفعل شيئًا سوى تمزيق نسيج دول الساحل؟

إن منطق الدبلوماسية يفرض أن يكون الخطاب متطابقًا مع الفعل. فمن يرفع شعار الاستقرار في منطقة تعاني من ويلات الفوضى والتطرف، لا يمكن له أن يسمح – صمتًا أو دعمًا – بانتشار وتجذر القوى التي لا تجيد سوى إشعال الحرائق وزعزعة الأمن.

القارئ المغربي، الذي يتابع عن كثب تداعيات عدم الاستقرار على حدود بلاده وعمقه الإفريقي، يرى هذا المشهد بوضوح: هناك تصادم حقيقي ومفضوح بين الشعارات المُعلنة على منابر الإعلام، وبين السياسات المطبقة على أرض الواقع في المنطقة الحدودية.

التداعيات على الأمن المغاربي: ثمن التناقض

إن هذا النفاق الاستراتيجي لا يقتصر ضرره على مالي والساحل فحسب، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي لدول المنطقة المغاربية، وفي مقدمتها المغرب.

عندما يُسمح ببؤر التوتر والفوضى بالانتشار على الحدود الجنوبية للجزائر، فإن ذلك يفتح ممرات حيوية لـ:

  • الجماعات الإرهابية: التي تجد ملاذًا آمنًا لتدريب وتجنيد العناصر وتنفيذ عملياتها العابرة للحدود.
  • شبكات التهريب المنظم: بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، ما يُغذي الاقتصاد الإجرامي ويُرهق الأجهزة الأمنية في دول الجوار.

هذا التهاون أو التناقض يُبقي المنطقة المغاربية كلها تحت رحمة خطر مستمر، ويُعطل أي جهود لبناء تعاون أمني إقليمي فعال. فكيف يمكن التعاون على مكافحة التهديدات المشتركة مع طرف يُنظر إلى سياسته على أنها تخدم، وإن بشكل غير مباشر، مصالح قوى عدم الاستقرار؟

المغرب: معادلة الاستقرار في قلب المعادلة

في المقابل، يجد المغرب نفسه مضطرًا لتعزيز دفاعاته وأمنه على طول حدوده، ليس فقط لمواجهة التهديدات المباشرة، ولكن أيضًا لتعويض الفراغ الأمني الذي يخلقه هذا التناقض في الإدارة الإقليمية للأزمات. لقد أثبت المغرب، من خلال استراتيجيته الأمنية الاستباقية وتعزيز تعاونه مع شركائه الأفارقة والأوروبيين، أنه فاعل محوري للاستقرار في المنطقة، خلافًا لمن يُجيدون الخطابة دون الفعل.

الأمن الإقليمي لا يقبل التناقض؛ إما أن تكون مع الاستقرار أو ضده.

الحقيقة التي تتكلم بصمت

في نهاية المطاف، الشعارات لا تُطلق الرصاص ولا تُؤمن الحدود. الدبلوماسية الحقيقية تُقاس بالنتائج الميدانية وقدرتها على بناء الاستقرار. وعندما تتحول الدبلوماسية إلى مجرد لعبة مناورات تهدف إلى تحقيق مكاسب ضيقة على حساب الأمن الإقليمي، فإنها تفقد مصداقيتها وتُعري النوايا.

وحين تتصادم الشعارات مع الواقع، يسقط القناع، وتظهر الحقيقة مجردة وواضحة: أن أمن الساحل ووحدة دوله ليسا أولوية استراتيجية بقدر ما هما ورقة للمساومة أو وسيلة لممارسة النفوذ، حتى لو كان الثمن هو إذكاء نار الفتنة وتصدير الفوضى إلى العمق المغاربي. وهو ما تفعله الجزائر بالضبط.


  • تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على مصادر مفتوحة، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً