تُعد ضربات الجزاء واحدة من أصعب الاختبارات النفسية والتقنية في كرة القدم، وهي اللحظة التي يتوقف فيها نَفَس الجمهور وتتركز فيها كل الضغوط على لاعب واحد أمام حارس المرمى. وبالنسبة ل”المنتخب المغربي”، لم يعد موضوع ضربات الجزاء مجرد تفصيل عابر، بل أصبح قضية تتطلب وقفة جدية وتطويراً حقيقياً، خاصة وأننا بتنا نلمس غياب “المختص” الذي يمنحنا شعور الأمان واليقين في تلك اللحظات الحاسمة. ولعل المواجهة الأخيرة أمام جزر القمر حينما أضاع رحيمي ضربة جزاء خير دليل وقبلها أشرف حكيمي في مواجهة حاسمة أمام جنوب أفريقيا في نسخة كأس أفريقيا الماضية.
إذا تعمقنا في المشكلة، سنجد أن الأزمة تكمن في غياب لاعب يمتلك “التكنيك” العالي والدقة والأسلوب المتفرد في التنفيذ. نحن نملك أسماء وازنة، لكن أغلبهم يفتقرون لسمة التخصص. فعلى سبيل المثال، أيوب الكعبي الذي يسدد مع ناديه، لا يمنحك ذلك الإحساس بالاستقرار عند وقوفه خلف الكرة؛ فغالباً ما تفتقر تسديداته للقوة أو التوجيه المثالي، مما يجعل نسبة ضياعها مرتفعة.
أما سفيان رحيمي، رغم شجاعته في التقدم للتنفيذ، إلا أن أسلوبه أصبح مكشوفاً إلى حد ما للحراس، فمعظم كراته تتجه لنفس الزوايا، وهو ما استغله حارس جزر القمر الذي تفوق عليه في صراع ذهني واضح، مجبراً إياه على تسديد الكرة في المكان الذي توقعه الحارس مسبقاً.
الحلول البديلة أيضاً تثير بعض التساؤلات؛ فإبراهيم دياز الذي يُعتبر المسدد الثاني في المنتخب المغربي، نادراً ما يتولى هذه المهمة مع ناديه ريال مدريد، مما يجعله يفتقر لحساسية “ركلات الحظ” وضغوطها المستمرة.
وفي المقابل، نجد إسماعيل الصيباري الذي يمتلك لمسة فنية جميلة وتسديدات واعدة، لكنه يظل خياراً لم يختبر بشكل كافٍ ومستمر لنطلقه عليه لقب “المسدد الأول” الذي يمكن الاعتماد عليه في الأدوار الإقصائية المعقدة.
هذه الظاهرة، المتمثلة في ضياع ركلات الجزاء، ليست مجرد ضعف فني فحسب، بل هي مرآة تعكس حجم الضغط الرهيب الذي يعيشه اللاعب المغربي اليوم. فالإنجازات التاريخية الأخيرة والمتابعة الدولية الدقيقة لكل تحركات المنتخب المغربي وضعت مسؤولية مضاعفة على كاهل اللاعبين والمدرب معاً.
إن الحفاظ على الصورة المشرقة للمنتخب وسط توقعات جماهيرية سقفها السماء جعل كل ركلة جزاء تبدو وكأنها مصيرية، مما يؤثر على التركيز والهدوء المطلوبين في تلك اللحظة.
في الختام، ونحن في قلب بطولة كأس أفريقيا 2025 يصبح تطوير هذا الجانب ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل. فالضغط سيزداد مع توالي المباريات، والجمهور مطالب بالدعم والمساندة بدلاً من الانتقاد الهدام، لأن التفوق في ضربات الجزاء يحتاج إلى صفاء ذهني وثقة متبادلة بين اللاعب ومحيطه.
علينا أن ندرك أن ركلة الجزاء هي مهارة تُصقل بالتدريب المستمر وليست مجرد ضربة حظ، لكي لا نجد أنفسنا في مواجهة واقع مرير حين تضطرنا الظروف لحسم المباريات من نقطة الجزاء.

التعاليق (0)