يبدو أن البلجيكي هوغو بروس، مدرب منتخب جنوب إفريقيا، قد ضلَّ طريقه في جغرافيا القارة السمراء، أو ربما سقط في فخ “النوستالجيا” لزمن الملاعب المتهالكة وصافرات “الفوفوزيلا” المزعجة. ففي الوقت الذي يشيد فيه القاصي والداني بالقفزة النوعية التي حققها المغرب في تنظيم “الكان 2025“، خرج علينا بروس بتصريح مثير للشفقة يدعي فيه أنه “لا يشعر بأجواء البطولة”!
دروس “بروس” المسمومة
ليست هذه هي المرة الأولى التي يمارس فيها هذا البلجيكي هوايته في “التشويش”؛ فقد سبق وغمر الناخب الوطني وليد الركراكي بغمزات وتلميحات “الخطة الواحدة”، وحين خدمته الظروف للفوز، أطلق العنان لغطرسته. وحتى حينما واجهنا ليبيريا فوق أراضينا (بقرار من جورج ويا لغياب ملاعب بمواصفات “الفيفا” في منروفيا)، لم يتردد بروس في مطالبة موتسيبي بمراسلة الفيفا لمنع إجراء المباراة بالمغرب.
واليوم، يعود ليعزف على وتر “الأجواء”، وكأنه يفتقد لسعات “بعوض تسي تسي” أو الرطوبة القاتلة التي اعتاد استغلالها لتعويض النقص الفني للاعبيه في “صنداونز”.
حينما يصبح الرقي “تهمة”
لعل المشكلة الحقيقية لهوغو بروس مدرب جنوب إفريقيا تكمن في “الصدمة الحضارية”. فالمغرب، وبشهادة باتريس موتسيبي نفسه الذي يصول ويجول في ملاعبنا، نقل الكان إلى مستوى “المونديال” و”اليورو”. لقد وجد بروس نفسه في ملاعب عالمية، وبنية تحتية متطورة، وطقس رائع، وأمن وأمان.. وهي أجواء “فخمة” يبدو أنها لم تَرُق لمدرب تعود على استغلال “المستنقعات الكروية” لتحقيق انتصاراته.
إن ادعاء بروس غياب الأجواء هو في الحقيقة “اعتراف بالفشل” في التأقلم مع المستوى العالي. هو يريد من الجمهور المغربي في أكادير أن يشجع فريقه قسراً، متناسياً أن الجمهور المغربي يملك ذكاءً فطرياً وروحاً حرة؛ فقد اختار تشجيع “الفراعنة” كرد فعل طبيعي على غطرسة بروس وسلوكاته السابقة.
“فادق الشيء لا يعطيه”
هوغو بروس لا يملك دروساً ليعطيها لأحد، بل هو في حد ذاته “حالة دراسية” لمدرب يحاول تصدير أزماته الداخلية. مرة يختلق الأكاذيب حول ركلة جزاء مصر، ومرة يعلق شماعة فشله على التنظيم المغربي الباهر. والحقيقة أن هناك 23 منتخباً آخر في المنافسة، ولم نسمع هذا النشاز إلا من حنجرة بروس.. والاستثناء لا حكم عليه.
ما وراء الرياضة.. عداء “أبناء مانديلا”
بعيداً عن المستطيل الأخضر، لا يمكن فصل تصرفات بروس عن السياق العام لعلاقة جنوب إفريقيا بالمغرب. فمن المعروف أن “بلاد مانديلا” هي من أشد الخصوم لوحدتنا الترابية على الصعيد القاري. لذا، فإن محاولات التبخيس من المنجز المغربي ليست وليدة الصدفة، بل هي امتداد لعقلية سياسية متحجرة لا تتقبل رؤية المغرب في الريادة.
ختاماً.. المغرب “أخطأ” في شيء واحد فقط: أنه رفع سقف التوقعات عالياً جداً، ونقل البطولة إلى مستوى احترافي لا تستوعبه عقليات تعيش على “الفوضى التنظيمية”. بروس، رغم جنسيته الأوروبية، أثبت بجهله لخصوصية المغرب الحضارية أنه لا يتقبل الاختلاف، وأن “الشيب” لا يعني دائماً الحكمة.

التعاليق (0)