تحت رماد تندوف، تحوّلت المخيمات لبؤرة نفوذ إيراني بدعم جزائري. وفود دينية من لبنان وسوريا تنشر خطابًا مذهبيًا على غرار حزب الله، بهدف استقطاب عقائدي وتأسيس ميليشيا. الجزائر ترعى هذا المشروع، مستغلة عزلة البوليساريو. المغرب يحذر من تحوّل تندوف إلى تهديد أمني، ويدعو للتصدي للمشروع الإيراني-الجزائري.
شهدت مخيمات تندوف مؤخراً، وبعيداً عن الأضواء الإعلامية التقليدية، تحركات غير اعتيادية تمثلت في وصول وفود دينية وشخصيات مرتبطة بجهات طائفية إقليمية، تحديداً من لبنان وسوريا، والمعروفة بولائها لـ إيران. لم تكن مهمة هذه الوفود إنسانية، بل تمثلت في عقد تجمعات ونشر خطاب مذهبي مُنظَّم يهدف إلى الاستقطاب العقائدي، على غرار الأسلوب الذي تتبعه ميليشيات مثل حزب الله.
هذا التحرك، الذي يمثل اختراقاً طائفياً أمنياً واضحاً، جرى بعلم ورعاية مباشرة من السلطات في الجزائر، التي سهّلت دخول هذه الوفود وأغلقت الأعين عن أنشطتها المريبة. هذا هو التطور النوعي الذي ينقل الملف من دائرة “الأزمة الإنسانية” إلى مشروع خارجي خطير يتم زرعه في الخاصرة الغربية لشمال إفريقيا.
إن تحليل ما يجري يتطلب منا جرأة في تسمية الأشياء بأسمائها: إنها عملية زرع نفوذ خارجي خطيرة، تتم تحت رعاية كاملة و”مباركة” من أصحاب القرار في الجزائر.

الاختراق الطائفي: ليس صدفة.. بل هندسة مكتملة الأركان
ما حدث في الأيام الأخيرة داخل تلك المخيمات ليس مجرد “إشاعة” أو تحرك عابر. إننا أمام اختراق طائفي أمني مكتمل الأركان. لم يعد الأمر يقتصر على مجرد دعم مادي أو سياسي قديم للبوليساريو، بل تجاوز ذلك إلى محاولة حقن المخيمات بـخطاب مذهبي واستقطاب عقائدي على طريقة نموذج حزب الله اللبناني.
- الأيادي الخفية تتضح:
تقود هذه العملية جهات مرتبطة بشكل مباشر بـ إيران، وتستخدم وفوداً دينية قادمة من لبنان وسوريا كأدوات لنشر هذا الفكر المذهبي الهدام. إن الهدف ليس الدعوة أو الإغاثة الإنسانية المزعومة، بل هو التأسيس لخزان بشري وعقائدي قابل للتجنيد والتشكيل العسكري على نمط الميليشيات الطائفية المعروفة.
- الراعي الرسمي والأبواب المفتوحة:
إن كل تفاصيل هذا المشروع تُدار تحت أنظار ورعاية مباشرة وعلنية من الجزائر. إن “كهنة معبد المورادية” يفتحون الأبواب على مصراعيها لهذه الوفود، ويغلقون الأفواه لمن يحاول فضح هذه المخططات، وكأنهم يشرفون على بناء نواة ميليشيا جديدة يتم زرعها عمداً في خاصرة المنطقة. إنها جريمة سياسية وأمنية ترتكبها دولة ضد استقرار جيرانها والمنطقة بأسرها.

تندوف تتحول: من أزمة إنسانية إلى بؤرة نفوذ إيراني-جزائري
يأتي هذا التحرك الخطير في توقيت دقيق. فعصابة البوليساريو تعيش عزلة غير مسبوقة بعد قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2797 الذي أكد على المسار الأممي. وفي هذا الانكسار السياسي، تتحول المخيمات إلى ساحة مثالية لاستقبال مشروع خارجي بديل، هدفه خلق واقع جديد على الأرض يتميز بـ:
- استنساخ النموذج الميليشياوي:
ما يجري ليس مجرد “اختراق عابر”، بل هو زرع مشروع موازٍ للدولة داخل منطقة هشة. إنه استنساخ لـ “نموذج ميليشياوي” خطير، حيث يتم تجميع العناصر وتدريبها وتغذيتها بعقيدة الولاء المطلق للمشروع الخارجي، بدلاً من الولاء للوطن أو حتى القضية المزعومة.
- الخطر المزدوج:
يفتح التحالف المتدرج بين الجزائر وإيران والبوليساريو الباب أمام مرحلة شديدة الخطورة. فالدعاية المذهبية التي يتم حقنها، مصحوبة بالسلاح غير المنضبط الموجود سلفاً في المخيمات، تخلق خليطاً قابلاً للانفجار وقادراً على إشعال فوضى عارمة تمتد من الساحل إلى الصحراء.

رسالة المغرب وإنذار المنطقة
إن المغرب لا يقف صامتاً أمام هذا التطور. فالإنذار الذي يطلقه واضح ومباشر: تندوف لم تعد فقط ملفاً إنسانياً، بل صارت بؤرة هندسة نفوذ خارجي يتم بناؤه حجراً فوق حجر، برعاية معلنة وغير خجولة من الجزائر.
وما يجري هو إعادة تموضع جيوسياسية خطيرة؛ تستغل الجزائر أزمة المخيمات لخلق موطئ قدم لطهران في غرب إفريقيا، على حساب أمن المنطقة واستقرارها. إنها مغامرة غير محسوبة العواقب.
والتصدي لهذا المسار لا يقتصر على الدبلوماسية وحدها، بل يتطلب يقظة أمنية، وفضحاً مستمراً ودولياً لهذه الممارسات التي تخالف القانون الإنساني والدولي. المنطقة كلها مقبلة على منعطف لا يرحم إن لم يتم التصدي لهذا “المشروع الإيراني-الجزائري” في تندوف بسرعة وحزم.

التعاليق (0)