قفزة جديدة في أسعار المحروقات بالمغرب.. وتداعيات ترفضها الجغرافيا والاقتصاد

أسعار المحروقات بالمغرب ترتفع من جديد اقتصاد أسعار المحروقات بالمغرب ترتفع من جديد

شهدت أسعار المحروقات بالمغرب ارتفاعًا جديدًا (الغازوال 30 سنتيمًا، البنزين 8 سنتيمات)، بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط عالميًا بسبب مخاوف جيوسياسية. المقال يوضح أسباب ارتفاع الأسعار في المغرب (تحرير القطاع، الضرائب، غياب المصفاة، هوامش الربح، سعر الصرف) وتأثيرها على التضخم والقدرة الشرائية. ويدعو المقال إلى مراجعة آليات التسعير للتخفيف على المستهلك.

شهدت محطات الوقود بالمغرب، ابتداءً من اليوم الأحد 16 نونبر الجاري، زيادة جديدة ومؤثرة في أسعار المحروقات، لتُعيد طرح التساؤلات بشأن استمرار ارتفاع هذه الأسعار في المملكة، التي تُعد من بين الدول التي تسجل مستويات عالية وغير متناسبة مع التطورات العالمية في أحيان كثيرة.

أسعار المحروقات.. تفاصيل الزيادة وتأثيرها المباشر

أكدت معلومات صادرة عن موزعي المحروقات أن الأسعار ارتفعت على النحو التالي:

  • الغازوال (الديزل): سجل زيادة قدرها 30 سنتيماً للتر الواحد، ليقترب سعره من مستوى 11.40 درهماً.
  • البنزين الممتاز (SSP): ارتفع بـ 8 سنتيمات للتر الواحد، ليبلغ سعره 13.78 درهماً.

تأتي هذه الزيادة لتُضفي ضغطاً إضافياً على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة وأنها لا تبعد سوى بأربعة أشهر تقريباً عن الزيادة السابقة المسجلة في فاتح يوليوز الماضي، حيث ارتفع سعر الغازوال حينها بأكثر من 40 سنتيماً والبنزين بـ 30 سنتيماً.

ربط بالتحركات العالمية: النفط يتأجج بفعل الجغرافيا السياسية

تتزامن هذه القفزة المحلية في أسعار المحروقات مع موجة ارتفاع عالمية في أسعار النفط الخام، التي اختتمت تعاملات يوم الجمعة الماضية بارتفاع ملحوظ بنسبة 2.5%، لتتجاوز الزيادة المسجلة يوم الخميس الذي سبقه (4%).

ويعود هذا الارتفاع الأخير، بحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة، إلى مخاوف جيوسياسية متصاعدة؛ أبرزها:

  1. تعطّل الإمدادات الروسية: تزايد القلق بشأن تدفقات النفط من ميناء نوفوروسيسك الروسي المطل على البحر الأسود، بعد استهدافه بهجمات بطائرات مسيّرة. يُعد هذا الميناء شرياناً حيوياً لتصدير الخام، وأي اضطراب فيه يثير احتمالات نقص مؤقت في الإمدادات.
  2. حساسية الأسواق: رغم الإشارة إلى ارتفاع مستويات المخزونات الأميركية، فإن الأسواق أصبحت شديدة الحساسية لأي مؤثرات أمنية أو جيوسياسية، مما يُبقي على توقعات بتقلبات سعرية كبيرة خلال الفترة المقبلة.
  3. عوامل سياسية أميركية: كانت الأسعار قد تلقت دعماً يوم الخميس بارتفاع سعر خام برنت فوق 63 دولاراً للبرميل، مدفوعاً بإعلان التوصل إلى صيغة توافق لإنهاء الإغلاق الحكومي في أميركا حينها.

لماذا في المغرب ترتفع والأسعار لا تنخفض بالقدر ذاته؟

ما يثير الجدل في المغرب ليس فقط ارتفاع أسعار المحروقات، بل عدم الانخفاض بالسرعة والقدر نفسهما الذي تشهده الأسواق العالمية عندما تكون دورة الأسعار في اتجاه هابط. تعود هذه الظاهرة إلى عدة أسباب هيكلية وتنظيمية تجعل من المغرب واحدة من الدول التي تظل فيها أسعار المحروقات مرتفعة نسبياً:

السبب الرئيسيالشرح والتحليل
1. تحرير القطاع بالكاملمنذ قرار تحرير قطاع المحروقات (رفع الدعم الحكومي) بالكامل، أصبحت الأسعار مرتبطة بشكل مباشر بالسوق الدولية (سعر برميل النفط)، وبتكاليف التوزيع واللوجستيك (النقل والتخزين). غياب “صندوق المقاصة” يعني اختفاء الآلية الحكومية التي كانت تمتص جزءاً من الصدمات السعرية.
2. الرسوم والضرائب المرتفعةتُشكل الرسوم الجمركية والضرائب الداخلية على الاستهلاك (TIC) والقيمة المضافة (TVA) جزءاً كبيراً ومحدداً من السعر النهائي للتر. هذه الضرائب تبقى ثابتة أو تتغير بنسب محددة، مما يقلل من هامش الانخفاض الفعلي الناتج عن تراجع سعر النفط الخام.
3. هيكل السوق وغياب المصفاةيفتقر المغرب إلى مصفاة للتكرير (بعد توقف شركة سامير)، مما يجعله مُستورداً صافياً للمنتجات النفطية المُكررة (البنزين والديزل) وليس للنفط الخام. هذا يعرضه لتقلبات أسعار المنتجات المكررة، والتي قد تختلف عن سعر برميل النفط الخام.
4. هامش الربح للموزعينيثار جدل مستمر حول الهوامش الربحية التي يطبقها الموزعون، والتي يرى العديد من المراقبين أنها لا تنخفض بشكل كافٍ ومناسب عندما تهبط الأسعار الدولية، مما يحافظ على السعر النهائي عند مستوى عالٍ.
5. سعر الصرف (الدرهم مقابل الدولار)تتم معاملات استيراد النفط بالدولار الأميركي. أي ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الدرهم المغربي يزيد من تكلفة الاستيراد، حتى لو كان سعر النفط الخام ثابتاً عالمياً.

التداعيات: قفزة في التضخم وضغط على الفئات الهشة

تُترجم كل زيادة في سعر المحروقات، لا سيما الغازوال الأكثر استخداماً في النقل والبضائع، إلى ارتفاع مباشر في تكاليف الإنتاج والنقل. هذا الارتفاع يُنقل بالكامل إلى المستهلك النهائي عبر:

  • زيادة أسعار السلع الأساسية: ارتفاع كلفة نقل الخضروات، والفواكه، ومواد البناء، وغيرها.
  • تفاقم التضخم: تساهم المحروقات بشكل أساسي في دفع معدلات التضخم العام في البلاد.
  • تحدي الفئات المتوسطة والهشة: تُعد هذه الزيادات استنزافاً قوياً لميزانية الأسر، خاصة في ظل استمرار التحديات الاقتصادية.

إن استمرار هذا المسار يتطلب مراجعة شاملة لآليات التسعير والتوزيع، والبحث عن حلول دائمة للتخفيف من حدة تأثير صدمات الأسعار العالمية على المستهلك المغربي.


  • تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على مصادر مفتوحة، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً