تونس والمغرب شعبان، بل شعب واحد! لي العديد من الأصدقاء بتونس! زرتها كثيرا من المرات، بل أشعر كلما زرتها أننا تتشابه في كل تفاصيل الحياة والمعرفة والفكر والجمال.. من الصعب أن نفكر مغاربيا خارج هذين البلدين، أي خارج تونس والمغرب، والشيء نفسه بالنسبة لبقية بلدان الاتحاد المغاربي!. تبقى كرة القدم لعبة لها ما لها، وعليها ما عليها (منفوخة بالريح). شخصيا لست من محبي كرة القدم، في شكلها المتعصب، أستمتع ببعض اللقطات كلما شاهدت التلفزيون بالصدفة. لهذا ما يجمع بلدان مثل المغرب وتونس أكبر بكثير من كأس عابرة، لنكبر ولنسمو ولنجعل رموزا مثل المفكر الكبير ابن خلدون هاجسنا وقاسمنا المشترك…

الترجي والوداد فريقان كرويان أتمنى لهما الأجمل، هما مطالبان (وتحديدا جمهورهما) بالتنافس بعيدا عن النبش في مساحات غير إنسانية وغير أخلاقية.. أتمنى تجاوز هذه السحابة العابرة! دوما أفكر في تونس الفكر والسينما والأدب وثورة الياسمين وبقعة ضوء ثقافية ومنهجية وإبداعية وعلمية وبحثية متميزة في خريطة عربية تنهشها الصراعات الطائفية وغيرها. تونس رائحة الزيتون والزيتونة!

nassiri elhabib 497907745

كرة القدم، كما أقول لطلبتي، الذين يعشقون فرقا كروية عديدة، هي واجهة رأسمالية جديدة لإتلاف ما تبقى لنا من قيم ورأسمال ثقافي وإنساني! لست ضد اللعبة وضد الفرجة المسلية، ولكن ضد التعصب الذي من الممكن أن تولده هذه الفرجة! تبقى تونس والمغرب، بلدا واحداً، باحثا وعاشقا للحرية والجمال.. لا مجال لجعل كأس أو نتيجة مقابلة سببا في تدمير ما بناه من رحلوا عنا، فلنفكر كيف ننتصر على تفاهات الكرة العمياء، ولنرسخ ثقافة رياضية شريفة وجميلة تخلق المتعة والتسلية، وتتجاوز التعصب.

يكفينا ما نعيشه في مجتمعاتنا من نسب أمية وفرص ضائعة كنتيجة طبيعية لغياب الاتحاد المغاربي، الحلم الذي ما زال لم يتحقق! بل لنسارع من أجل هذا البناء المغاربي الحقيقي، ولنجعل من كل إمكانياتنا فرصا حقيقية لقهر الهجرة السرية التي تنخر أجساد عائلاتنا المغاربية، ولنجعل من البحث العلمي أفقنا الحقيقي. لنقل ما شئنا غير السقوط في التعصب الكروي الذي هو هنا أعمى ولا قيمة له.

أتمنى من كبار الفريقين الرياضيين أن يجعلوا من هذه “الحادثة” العابرة فرصة حقيقية لهزم كل أشكال القبح التي “تفتقت” هذه الساعات. وليعلم الجميع أن الرابح الأول والأخير ليس تونس ولا المغرب، بل الرابح من يريدنا أن ننهش دوما في لحم بعضنا البعض.. الرابح هو من يريدنا ويحلم دوما أن يرانا نركب أمواج البحر لنهاجر سرا.. الرابح هنا هو من يرغب في أن نبقى نعيش بمعدلات نمو محدودة، ولا نمتطي قاطرة التقدم. لي أصدقاء تونسيون عزيزون على القلب والروح يفتحون لي أبواب قلوبهم، وليس فقط أبواب منازلهم، جميلون ومبدعون وأشم فيهم رائحة مغاربية جميلة. هم ملح هذه الأرض المغاربية..

لي عربية ومروان الطرابلسي وحسن المرزوقي وجمال الدلالي والرياحي والتشكيلي صاحبي المقيم في المغرب ومحمد ثابت وهجر بناصر وأحمد القاسمي والمخرج هشام، ومعذرة عن عدم ذكر أسماء أخرى غابت هذه اللحظة، وهي أسماء إبداعية تشتغل في مجال السينما والنقد والفكر.. إلخ. كان علينا أن ننهض من نومنا هذا الصباح، ونقرأ خبرا أو فحوى مبادرة هادفة إلى توقيع عريضة مليونية مطالبة بتحريك بناء الاتحاد المغاربي، أو تشكيل فريق كروي مغاربي رمزي يلعب من أجل لفت الانتباه إلى فرصنا الضائعة في هذا البناء.. إلخ، عوض أن نجد البعض ينبش عبر “الفايس” في متاهات لا إنسانية!.

محبتي لتونس ولأهلها، ولتذهب هذه الكأس الإفريقية إلى الجحيم، حتى لا تتحول إلى موضوع من مواضيع إلهاء عديدة، تجعلنا لا نواجه مشاكلنا المغاربية الحقيقية مثل البحث العلمي والمعرفة وإصلاح التعليم والاقتصاد.. إلخ!

محبتي لأهل تونس.

*باحث مغربي

المقالات الأكثر قراءة

اترك تعليقاً