المقال يتساءل عن مدى حقيقة تحول الإعلام العمومي المغربي في خطه التحريري، في ظل حراك "جيل Z" الشبابي. هل هو تحول بنيوي أم مجرد استجابة ظرفية لضغوط الشارع؟ المقال يبرز انفتاحًا ملحوظًا في طرح الأسئلة الجريئة واستضافة آراء مختلفة، لكنه يشير إلى أن الاستمرارية ستحدد ما إذا كان هذا تحولًا حقيقيًا أم مجرد تكتيك مرحلي. "جيل Z" يمثل قوة مؤثرة، والتحول الحقيقي يقاس بالسياسات التحريرية وثقافة حرية التعبير.
هل يشهد الإعلام العمومي تحولًا حقيقيًا في خطه التحريري أم أنها لحظة فرضها الشارع؟ ففي خضم الحراك الشبابي الذي تعرفه المملكة منذ أسابيع، وتحت تأثير الموجة الاحتجاجية التي يقودها ما يُعرف بـ“جيل زِد”، يطفو على السطح سؤال جوهري:
هل يشهد الإعلام العمومي المغربي تحوّلًا بنيويًا في خطه التحريري، بانفتاحه الملحوظ على صوت الشارع واستضافته لآراء مختلفة بل وانتقادات أحيانًا حادة للحكومة؟ أم أن ما نعيشه اليوم ليس سوى رد فعل ظرفي على ضغط الرأي العام الافتراضي والاحتجاجات الميدانية، سرعان ما سيتراجع حين تهدأ الموجة؟
🔹 من إعلام رسمي إلى منصّة للجدل؟
قبل أشهر فقط، كان من الصعب أن نرى في القنوات العمومية المغربية برامج أو تقارير تطرح أسئلة جريئة على الوزراء، أو تُفسح المجال لمواطنين يعبرون بحرية عن غضبهم.
لكن في الأيام الأخيرة، بدا المشهد مختلفًا: نشرات الأخبار تنقل صوت الشارع، والبرامج الحوارية تستضيف وجوهًا شبابية وحقوقية. وقد تناقلت منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات ولقطات متكررة لـمقدمين يوجهون أسئلة مباشرة وحادة لأعضاء الحكومة حول غلاء الأسعار، التعليم، أو ضعف الثقة في المؤسسات، وهو ما شكّل مادة للنقاش وأكد التحول الظرفي في مقاربة الإشراف التحريري.
هذا التحول، إن استمر، قد يشكل نقطة انعطاف في العلاقة بين الإعلام العمومي والمجتمع المغربي، خاصة بعد سنوات من الانتقادات حول هيمنة الخط الرسمي وضعف الجرأة في طرح الملفات الحساسة.
🔹 جيل “زِد”: القوة الناعمة الجديدة
لا يمكن قراءة هذا الانفتاح دون استحضار قوة “جيل زِد”، الذي استطاع أن يفرض أجندته على الساحة الرقمية والإعلامية.
جيل يتميز بقدرة مذهلة على تحريك الرأي العام عبر المحتوى القصير والفيديوهات، حيث لا يكتفون بمشاهدة الإعلام العمومي، بل يعيدون تداول مقاطع محددة من اللقاءات الرسمية، ويحوّلون أسئلة الصحفيين أو إجابات المسؤولين إلى “تريندات” نقدية أو ساخرة، مما يضاعف من ضغط المساءلة على المسؤولين والقنوات معًا.
ضغط هذا الجيل لم يقتصر على المنصات، بل انتقل إلى الشارع، حيث نجح في كسر حاجز الصمت والتمثيل، ودفع الحكومة، بما فيها الإعلام العمومي، إلى التفاعل والتبرير والتواصل المباشر.
🔹 بين التكيف والقطيعة
غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل هذا الانفتاح يمثل استراتيجية تواصل جديدة تهدف إلى استعادة الثقة مع الجيل الرقمي؟ أم أنه مجرد تكتيك مرحلي فرضته الموجة الحالية لتنفيس الاحتقان وامتصاص الغضب؟
المراقبون يرون أن الجواب سيتضح من استمرارية هذا التوجه بعد انتهاء الاحتجاجات:
فإذا استمر الإعلام العمومي في مساءلة السلطة، وإشراك المواطنين في النقاش العمومي حول السياسات العامة، فسنكون أمام تحول ثقافي حقيقي في بنية الخطاب الإعلامي.
أما إذا عاد الخطاب إلى النمط القديم القائم على التبرير والتمويه، فستتأكد فرضية “اللحظة الاستثنائية”.
ما يجري اليوم هو لحظة اختبار كبرى ليس فقط للإعلام العمومي، بل لعلاقة الدولة المغربية بجيل جديد من المواطنين لا يكتفون بالاستماع، بل يريدون الفعل والمساءلة والمشاركة.
التحول الحقيقي لن يُقاس بما يُقال في النشرات، بل بما سيتجذر في السياسات التحريرية وفي ثقافة حرية التعبير المؤسسية.
التعاليق (1)
والله مقال جميل، وبالمناسبة كان عندي هذا التساؤل منذ يومين.
إن شاء الله يكون هذا التغير في الإعلام فرصة لفتح الحوار بين المسؤولين والمواطنين. الحكومة عندها عدة أفكار وإنجازات، تحتاج فقط لإعلام مفتوح يتيح لها التواصل مع المواطنين لإبراز التفاصيل واستقطاب الشباب واقتراحاتهم وفتح نقاشات هادفة، وأهم شيء العمل بها.