سجل الاقتصاد المغربي نموًا قويًا (5.5%) في الربع الثاني من 2025، مدعومًا بالصناعة والسياحة والصادرات. تحسن التشغيل بشكل معتدل بسبب توجه الشركات نحو الإنتاجية. ارتفع العجز المالي رغم تحسن الإيرادات الجبائية بسبب زيادة النفقات العمومية. الاستثمار في مسار تصاعدي، و تحسن شروط التبادل التجاري. المغرب يواجه تحديات في التشغيل وتوازن المالية العمومية.
سجل الاقتصاد المغربي أداءً لافتًا خلال الفصل الثاني من سنة 2025، حيث بلغت وتيرة النمو 5,5 بالمائة، وهي أعلى نسبة منذ مرحلة التعافي ما بعد جائحة كوفيد-19 في عام 2021، وفق ما كشفت عنه المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها حول الظرفية الاقتصادية.
تحسن معتدل في التشغيل رغم ارتفاع النمو
ورغم هذا الأداء القوي، فقد ظل تحسن سوق الشغل معتدلًا نسبيًا، إذ ارتفع التوظيف المؤدى عنه بنسبة 1,4 بالمائة فقط على أساس سنوي، مقابل 3,4 بالمائة في الفصل الأول. ويُعزى هذا التباطؤ إلى توجه الشركات نحو رفع الإنتاجية بدل التوظيف الجديد، في سياق عرف ارتفاعًا في التكاليف الأجرية، خصوصًا بالنسبة للعاملين بالحد الأدنى للأجور.
هذه المعطيات تشير إلى تحول هيكلي في نمط نمو التشغيل، حيث باتت المؤسسات تميل إلى الاستثمار في الكفاءة والإنتاجية أكثر من التوسع في عدد العاملين، ما يعكس مرحلة من النضج الاقتصادي لكنها تضع تحديًا أمام خلق فرص الشغل الجديدة.
ارتفاع الحاجة إلى التمويل رغم تحسن المداخيل الجبائية
ورافق انتعاش النمو ارتفاع واضح في الحاجة إلى التمويل، إذ بلغ العجز الإجمالي ناقص 3,2 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي الفصلي، مقابل ناقص 2 بالمائة في الفصل السابق.
ويأتي ذلك رغم التحسن الملموس في الإيرادات الجبائية، سواء من الضرائب غير المباشرة أو من الضريبة على الشركات، بفضل توسيع الوعاء الضريبي وانتعاش النشاط الاقتصادي.
لكن في المقابل، شهدت النفقات العمومية وخاصة كتلة الأجور ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 10,8 بالمائة، مما ساهم في زيادة العجز وتمويل الدين. هذا التطور يعكس مفارقة واضحة: إيرادات في تحسن لكن مصاريف تتسارع بوتيرة أعلى، ما يستدعي في المدى المتوسط سياسة مالية أكثر انضباطًا لضمان توازن المالية العمومية.
الدورة السادسة للنمو الاقتصادي: انتعاش متواصل بعد كوفيد
ووفق المندوبية، دخل الاقتصاد المغربي فصله السادس من دورة النمو المتواصلة، مسجلاً ارتفاعًا في النشاط غير الفلاحي بمتوسط 4,8 بالمائة، ما يعني أن المغرب تجاوز نهائيًا الفجوة التي خلفتها أزمة كوفيد-19.
ويعكس هذا الأداء تحول النمو من ظرفي إلى هيكلي، خاصة بعد عودة الحيوية إلى قطاعات الخدمات والصناعة والبناء والسياحة.
الصناعة والبناء والسياحة تقود النمو
ساهمت الصناعات التحويلية والاستخراجية وقطاع البناء والإيواء بنحو 40 بالمائة من إجمالي نمو الاقتصاد المغربي، مما يؤكد أن القاطرة الصناعية والسياحية باتت من ركائز الاقتصاد الوطني.
فالصناعات التحويلية شهدت طلبًا متزايدًا من الخارج، فيما واصل قطاع البناء والإنعاش العقاري استفادته من الدينامية السكنية والاستثمارات الجديدة.
الصادرات أقوى من التوقعات والطلب الداخلي في ارتفاع
سُجّل أيضًا انتعاش قوي في الصادرات بنسبة 8,5 بالمائة، متجاوزًا التوقعات الرسمية، مدعومًا بتوسع الأسواق الأوروبية والإفريقية للمنتجات المغربية.
وفي الوقت نفسه، ارتفع الطلب الداخلي بنسبة 9,2 بالمائة، وهو ما عكس تحسنًا في ثقة الأسر التي رفعت إنفاقها الاستهلاكي بنسبة 5,1 بالمائة مقابل 4,4 بالمائة سابقًا.
الاستثمار في مسار تصاعدي وتراجع كلفة الاقتراض
وأوضحت المندوبية أن الاستثمار واصل مساره التصاعدي منذ منتصف 2023، مستفيدًا من سياق مالي ملائم بفضل تخفيف كلفة الاقتراض وانخفاض أسعار استيراد معدات التجهيز الصناعي.
هذا الاتجاه يعكس استعادة الثقة في مناخ الأعمال وتوجه الدولة نحو تشجيع القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية.
الواردات ترتفع ولكن بشروط تبادل أفضل
بالمقابل، أدت دينامية الطلب الداخلي إلى زيادة في حجم الواردات بنسبة 15,7 بالمائة، إلا أن تحسن شروط التبادل التجاري بفضل ارتفاع أسعار الصادرات وتطور سعر الصرف ساهم في كبح تأثير فاتورة الواردات على الميزان الخارجي.
وبالتالي، فإن النمو القوي لم يتحول إلى ضغط خارجي مقلق، وهو ما يُعد مؤشرًا إيجابيًا على متانة الهيكل التجاري المغربي.
الاقتصاد المغربي.. خلاصة تحليلية
يُظهر هذا التقرير أن الاقتصاد المغربي يعيش مرحلة نضج جديدة، قوامها نمو قوي يقوده الاستثمار والإنتاجية والصادرات، لكنه يواجه في المقابل تحديات على مستوى التشغيل وتوازن المالية العمومية.
فبينما تحقق القطاعات الإنتاجية طفرة واضحة، يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذا النمو إلى مناصب شغل مستدامة وتقليص الاعتماد على التمويل العمومي.
إن نسبة 5,5 بالمائة ليست مجرد رقم إيجابي، بل إشارة إلى دينامية اقتصادية متجددة، شريطة أن تستمر الإصلاحات البنيوية وتتحسن الحكامة المالية لتضمن استدامة هذا المسار في الفصول المقبلة.
- تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على أرقام المندوبية السامية للتخطيط، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.
التعاليق (0)