قبل التصويت بـ 6 ساعات: رسالة باكستان العاجلة للمغرب في ملف الصحراء!

علمي المغرب وباكستان مختارات علمي المغرب وباكستان

قبل تصويت مجلس الأمن، أبلغت باكستان المغرب أنها ستمتنع عن التصويت على قرار الصحراء بسبب خشيتها من أن تستغل الهند دعم باكستان للحكم الذاتي كسابقة في قضية كشمير. يمثل هذا الموقف مأزقاً لباكستان بين دعم حليفها المغرب وموقفه من كشمير، ويعكس تعقيدات الدبلوماسية المعاصرة. المغرب يتفهم هذا الموقف ويدعو إلى "حياد إيجابي" في ظل تقارب مغربي-هندي.

خلف الأبواب المغلقة لمجلس الأمن، وقبل ساعات قليلة من التصويت على قرار مصيري يخص الصحراء المغربية، تلقت الرباط إشعاراً دبلوماسياً هادئاً، لكنه يحمل دلالات استراتيجية عميقة. لم يكن الإشعار رفضاً، بل كان “امتناعاً” مفروضاً بظلال الجغرافيا السياسية.

وأبلغت باكستان، الحليف التقليدي للمغرب، نظيرتها المغربية أنها لن تصوت على القرار. والسبب؟ ليس فتوراً في العلاقة، بل هو خوف عميق ومحسوب من أن يُستخدم أي دعم لمبدأ “الحكم الذاتي” في الصحراء كـ “سابقة” دولية تخدم أجندة الهند في إقليم كشمير المتنازع عليه. هذه هي خلاصة المعادلة التي وضعت إسلام آباد في مأزق، لتضطر إلى الاختيار بين مبدأها في كشمير ومصلحة حليفتها في المغرب. فكيف يتفهم المغرب هذا الموقف، وما هي أبعاد “الورطة” الباكستانية مع الهند التي ألقت بظلالها على الأمم المتحدة؟

البعد الاستراتيجي للامتناع: الخوف من “سابقة” الحكم الذاتي

في دهاليز الدبلوماسية الدولية، تتشابك المصالح والمبادئ في معادلات معقدة لا تخلو من المفارقات. هذا ما كشف عنه الموقف الباكستاني الأخير قبيل التصويت على قرار الصحراء المغربية في مجلس الأمن. فبدلاً من التصويت لصالح المغرب، حليفها التاريخي، اختارت إسلام آباد الامتناع.

المعلومات التي تسربت من مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى تشير إلى أن باكستان أبلغت المغرب، في اتصالات ثنائية مغلقة، أنها ستتجنب التصويت، مؤكدة أن الأمر لا يتعلق برفض للموقف المغربي، بل بـموقف مبدئي حيال “مبدأ الحكم الذاتي”.

تخشى إسلام آباد من أن يؤدي أي تصويت داعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية إلى توفير ذريعة للهند. فالهند، التي تسعى لتكريس واقع جديد في جامو وكشمير بعد إلغائها المادة 370 الدستورية، قد تستغل دعم باكستان للحكم الذاتي في قضية أخرى كـ”سابقة” دولية. بعبارة أدق، قد يُستخدم هذا الدعم لتجريد الشعب الكشميري من حقه الكامل في تقرير المصير.

هنا يكمن لب المأزق الباكستاني، والذي لخصته إسلام آباد صراحةً للرباط: “نحن لا نرفض دعمكم، لكننا لن نمنح الهند الذريعة لحشرنا في الزاوية، بالقول إننا نساند مبدأ الحكم الذاتي في الصحراء، ثم نرفضه في كشمير.” هذا التصريح يلخص الاستراتيجية الباكستانية القائمة على حماية ملفها الأهم وتجنب أي تناقض يمكن أن يستغله الخصم (الهند).

المفارقة التاريخية والتقارب المغربي-الهندي

تزداد المعادلة تعقيدًا حين نتذكر أن المغرب كان ولا يزال من أقدم وأقوى الداعمين لموقف باكستان في قضية كشمير، ووقف إلى جانبها في المحافل الدولية رافضًا أي محاولة لتقسيم أراضيها، بما في ذلك رفض انفصال إقليم بلوشستان.

هذه العلاقة التاريخية الصلبة تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد بسبب التقارب المغربي-الهندي المتنامي في السنوات الأخيرة. فالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية الجديدة للرباط مع نيودلهي بدأت تلقي بظلالها على التفاهمات التقليدية مع إسلام آباد.

موقف الرباط: تفهم هادئ وحياد إيجابي مطلوب

في المقابل، تؤكد المصادر المغربية عدم وجود أي “برود” في العلاقات، مشددة على أن “الحوار مستمر، وأن الرباط تتفهم الحساسيات الباكستانية”. وهذا الموقف يعكس نضجًا دبلوماسيًا مغربيًا، يدرك أن القضايا المصيرية لكل دولة تتطلب أحيانًا تباينًا في المواقف العلنية. فالرباط “لا تطلب من أي دولة أن تضحي بموقفها الجيوسياسي من أجله، بل تطلب فقط الفهم والحياد الإيجابي”.

ندرة الدعم غير المشروط

إجمالاً، يكشف الموقف الباكستاني الأخير في مجلس الأمن عن حقيقة الدبلوماسية المعاصرة: ندرة الدعم غير المشروط. فبينما يمثل ملف كشمير “قضية وجود” بالنسبة لإسلام آباد، ترى الرباط أن الصحراء “قضية مصيرية لا تقايض”. هذا التباين، وإن كان صامتاً ومفهوماً بين الحليفين التقليديين، يؤكد أن كل دولة باتت تضع حواجز حماية جيوسياسية حول مصالحها الحيوية.

مستقبل العلاقات بين الرباط وإسلام آباد لن يحدد بقرار تصويت واحد، بل بقدرة الجانبين على “التعايش الدبلوماسي” مع هذا الاختلاف المبدئي. فالمغرب، بتبنيه نهج “الفهم والحياد الإيجابي”، يثبت نضجاً في التعامل مع الحساسيات الباكستانية، على أمل أن تتمكن الدبلوماسية الهادئة يوماً من تجاوز “عقدة كشمير” لصالح تحالف تاريخي أثبت قوته في سنوات طويلة من الدعم المتبادل. تبقى العبرة أن الملفات الكبرى تظل محكومة دائماً بالملفات الداخلية الأكثر حساسية.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً