المغرب وموريتانيا يقتربان من شراكة كبرى تعيد رسم موازين المنطقة

المغرب وموريتانيا مختارات المغرب وموريتانيا

في قلب منطقة مغاربية تتسم بالجمود الجيوسياسي، يرسم التقارب المتنامي بين المغرب وموريتانيا فصلاً جديداً يُبشر بإعادة تشكيل موازين القوى والمصالح. الإعلان عن قرب انعقاد الدورة التاسعة للجنة العليا المشتركة ليس مجرد خبر دبلوماسي، بل هو تأكيد رسمي على أن الرباط ونواكشوط اختارتا المسار الاستراتيجي الموحد.

هذا التحول العميق، المدعوم بمشاريع اقتصادية ضخمة (كالمبادرة الأطلسية وأنبوب الغاز نيجيريا-المغرب)، وبتنسيق أمني غير مسبوق، يُكرس مكانة موريتانيا كـشريك محوري للمملكة. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن: كيف سيؤثر هذا المحور الجديد على الحسابات الجيوسياسية لجارتنا الشرقية؟

التأثير على الجزائر: تغيير قواعد اللعبة الإقليمية

إن بناء شراكة استراتيجية صلبة بين المغرب وموريتانيا يمثل تحدياً مباشراً للسياسة الخارجية الجزائرية، التي اعتمدت لفترة طويلة على محاولة إبقاء نواكشوط في منطقة “توازن” بين القطبين المتنافسين.

1. خسارة ورقة “التوازن الحذر”

  • تغيير الخيار الاستراتيجي الموريتاني: كانت الجزائر تعمل على استغلال “الصبر” الموريتاني في العلاقات مع الرباط، وحاولت دائماً تقديم بدائل أو موازنات للضغط المغربي. اليوم، يرى الباحثون أن الموقف الموريتاني شهد “انعطافة واضحة” نحو الرباط، مدفوعاً بالتطورات في قضية الصحراء المغربية والقرار الأممي 2797.
  • الخسارة الجيوسياسية: فقدان الجزائر لموقع موريتانيا كـ“منطقة رمادية” أو “منطقة عازلة” على جبهتها الغربية والجنوبية الغربية، يعني أن الضغط الجيوسياسي عليها سيزداد، خاصة فيما يتعلق بمسألة الحدود وتأمين الساحل.

2. التحدي الاقتصادي والاستراتيجي للمشاريع الكبرى

  • عزل مشروع الغاز المنافس: أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب، الذي يمر عبر موريتانيا، هو منافس استراتيجي لمشروع خط الأنابيب الجزائري العابر للصحراء (ترانس-صحارى). ترسخ موريتانيا كشريك في المشروع المغربي يقلل من جاذبية أي مبادرات جزائرية لتكون هي بوابة الطاقة الوحيدة لغرب إفريقيا.
  • تهميش المبادرات الجزائرية في الساحل: إن انخراط موريتانيا في المبادرة المغربية لولوج دول الساحل للأطلسي يقلل من تأثير أي محاولات جزائرية لتقديم نفسها كقائد اقتصادي وحيد في منطقة الساحل. هذا المحور يضع المغرب كـقوة ربط بين دول الساحل والمحيط الأطلسي، متفوقاً على المحور البري الداخلي الذي قد تسعى الجزائر لتعزيزه.

3. إحكام القبضة على الجبهة الجنوبية

  • الرسالة الأمنية القوية: التنسيق الأمني الوثيق بين الرباط ونواكشوط لـضبط الحدود ومنع تسرب الميليشيات، ورفض موريتانيا فتح تمثيلية للبوليساريو، يمثل ضربة لجهود الجزائر في تقديم الدعم السياسي واللوجستي لجبهة البوليساريو من ناحية الجنوب الغربي. هذا التقارب يضيق الخناق على أي محاولة لزعزعة الاستقرار في الجدار الأمني أو داخل المنطقة العازلة.

باختصار، التحالف المغربي-الموريتاني هو خطوة استباقية ذكية تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة، وتحول موريتانيا من ورقة محايدة إلى شريك فاعل في الرؤية الاستراتيجية للمغرب. هذا التغيير الجذري يفرض على الجزائر إعادة تقييم شاملة لاستراتيجيتها الإقليمية.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً