دار البحر كسمار بطرفاية، معلمة تاريخية تواجه الانهيار بسبب الإهمال وتآكل البحر. البناية، رمز للذاكرة الوطنية، تنهار تدريجيًا رغم التحذيرات. المقال يدعو لتدخل عاجل من وزارة الثقافة والجهات المعنية لإنقاذها، وتحويلها إلى فضاء ثقافي. يشدد على أهمية الحفاظ على التراث كجزء من الهوية الوطنية، ويحذر من فقدان الشاهد التاريخي إذا استمر الإهمال.
- إعداد ومتابعة: سيداتي بيدا
في أقصى الجنوب المغربي، حيث يعانق البحرُ الرملَ وتروي الرياحُ حكايات التاريخ، تقف دار البحر كسمار بطرفاية، معلمة شامخة تواجه صمت الزمن وتواطؤ الإهمال. لكن هذا الصمود الأسطوري بدأ يتهاوى شيئًا فشيئًا، بعدما شهدت البناية انهيارًا جزئيًا جديدًا طال جدارها السفلي، نتيجة تآكل صخري خطير وضربات أمواج لا ترحم.
إنه مشهد مؤلم، يُنذر بأن أحد أقدم شواهد الذاكرة المغربية على الساحل الأطلسي قد يختفي إن لم يتحرك الضمير قبل القرار.
صرح يتهاوى أمام صمتٍ غير مبرّر
منذ تشييدها سنة 1879، ظلت دار البحر كسمار رمزًا لتاريخٍ بحريّ زاخر، وذاكرةً مفتوحة على مرحلةٍ كانت فيها طرفاية بوابة المغرب نحو إفريقيا ومفترق طرقٍ للتجارة والاستكشاف. واليوم، حين ينهار جزء من جدرانها تحت وقع البحر، فإن ما يتداعى ليس مجرد حجر، بل ركيزة من ركائز الذاكرة الوطنية.
غير أن الأخطر من الانهيار ذاته هو الغياب شبه التام لخطط إنقاذ فعلية. فرغم التحذيرات المتكررة من فعاليات المجتمع المدني والباحثين في التراث، ما زال الوضع يتفاقم وسط صمتٍ إداري مقلق. وكأن دار البحر، التي قاومت قرنًا ونصفًا من العواصف، تُترك اليوم وحيدة في مواجهة مصيرها.
التراث لا يُرمّم بالحسرة
إن ما تتعرض له دار البحر كسمار ليس مجرد حادث بنيوي، بل مأساة رمزية تعكس هشاشة تعاملنا مع إرثنا الثقافي. فالمعالم التاريخية ليست ديكورًا سياحيًا، بل شواهد على وجودنا الجماعي، تحمل في طياتها ذاكرة المكان والإنسان. وكل حجر يسقط منها، يسقط معه فصل من رواية وطنٍ عرف كيف يبني مجده بين البحر والصحراء.
من هنا، تتصاعد الدعوات لإطلاق مشروع وطني استعجالي للترميم والصيانة، تُشرف عليه وزارة الثقافة بتنسيق مع السلطات المحلية وخبراء الهندسة الساحلية، لحماية المعلمة من مزيد من التدهور وتحويلها إلى فضاء ثقافي وسياحي يعيد لطرفاية بريقها التاريخي.
جرس إنذار للضمير الجماعي
دار البحر كسمار اليوم ليست مجرد أطلال على شاطئٍ عابر، بل مرآة تعكس موقفنا من ذاكرتنا الجماعية. فإما أن نتدخل لإنقاذها بوعي ومسؤولية، أو نتركها تنهار فنخسر معها شاهدًا على جزء من هوية الأمة.
لقد آن الأوان لأن ننتقل من مرحلة الندب إلى مرحلة الفعل الميداني المسؤول، لأن التاريخ لا ينتظر المترددين، والذاكرة حين تُهمل، لا تُستعاد.
وحتى ذلك الحين، سيبقى البحر يروي بلغته الموجية الصاخبة حكاية دارٍ قاومت النسيان، في انتظار أن يمدّ الوطن يده قبل أن تبتلعها الأمواج إلى الأبد.
- تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على مصادر مفتوحة، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.

التعاليق (0)