في نيويورك، تتواصل اتصالات سرية بين فرنسا والجزائر بسبب مسودة قرار أمريكي حول الصحراء المغربية تميل لصالح المغرب. الجزائر ترى ذلك انحيازًا، بينما تسعى فرنسا لتهدئة التوتر. المسودة الجديدة تتخلى عن "تقرير المصير" وتعزز الحكم الذاتي المغربي، مما يقلق الجزائر. المغرب يراقب بثقة. التحركات الفرنسية تعكس قلقًا بشأن نفوذها في المنطقة. يُتوقع أن يدخل الملف مرحلة حاسمة لصالح المغرب، مما يشكل صدمة للجزائر.
تشهد أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، خلال الأيام الأخيرة، اتصالات سرية ومكثفة بين السفير الفرنسي جيروم بونافون ونظيره الجزائري عمار بن جامع، وذلك في سياق ما يبدو أنه محاولة فرنسية لامتصاص غضب الجزائر من الصيغة الجديدة لمسودة القرار الأمريكي المتعلقة بملف الصحراء المغربية.
فرنسا بين دعم الحليف التاريخي ومخاوف التصعيد
مصادر دبلوماسية متطابقة تشير إلى أن فرنسا وجدت نفسها في موقع بعد تسريب مضمون المسودة الأمريكية التي تميل بوضوح إلى ترسيخ المقاربة المغربية للحل السياسي تحت سيادة المملكة، وهو ما اعتبرته الجزائر “انحيازًا خطيرًا” من واشنطن، و”ضربة” لمسار المفاوضات الذي تحاول التمسك به منذ سنوات.
وفي هذا السياق، تسعى باريس إلى تهدئة التوتر الدبلوماسي مع الجزائر، في وقت تعرف فيه العلاقات بين البلدين توترات مزمنة منذ استدعاء الجزائر لسفيرها من باريس سنة 2023.
لكن الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية أصبح أكثر وضوحا، خاصة بعد تحولات الموقف الأوروبي لصالح الرباط وتزايد الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي التي تبقى مقبولة وعادلة.
ما الذي يقلق الجزائر من المسودة الأمريكية؟
النسخة الجديدة من مشروع القرار الأمريكي، وفق تسريبات إعلامية، تتخلى لأول مرة عن بعض المفردات القديمة مثل “تقرير المصير” بمعناه الاستفتائي، وتعوّضها بصياغة أكثر واقعية تتحدث عن “حل سياسي ودائم قائم على التوافق”.
هذه الصياغة تُعتبر بالنسبة للجزائر إشارة واضحة على نهاية خيار الانفصال الذي كانت تراهن عليه لعقود، كما أن المسودة تشيد بجهود المغرب في التنمية والاستقرار بالأقاليم الجنوبية، وتصف مبادرة الحكم الذاتي بأنها “الأساس الأكثر جدية وواقعية”.
إضافة إلى ذلك، فإن غياب أي إشارة لمخيمات تندوف أو لدور الجزائر كطرف محايد يُعد بمثابة تغيير عميق في نظرة مجلس الأمن لطبيعة النزاع، حيث باتت الجزائر تُصنَّف ضمن الأطراف الرئيسية وليس كوسيط.
هذه النقطة بالذات تُقلق النظام الجزائري، لأنها تنزع عنه غطاء الحياد وتضعه في موضع المساءلة السياسية والإنسانية أمام المجتمع الدولي.
الرباط تراقب بصمت وثقة
في المقابل، تتابع الدبلوماسية المغربية هذه التحركات بهدوء وثقة واضحة، مدركة أن ميزان القوى داخل مجلس الأمن أصبح اليوم يميل بشكل حاسم نحو رؤية المغرب.
ويرى متتبعون أن اللقاءات الفرنسية الجزائرية لن تغيّر في جوهر الموقف الأمريكي الجديد، الذي يهدف إلى وضع حد نهائي لهذا النزاع المزمن عبر مقاربة واقعية ومتماسكة تستند على مشروع الحكم الذاتي كحل وحيد قابل للتطبيق.
دلالات اللحظة.. ما وراء التحركات؟
يرى محللون أن التحركات الفرنسية في نيويورك تكشف خوف باريس من فقدان تأثيرها التقليدي في شمال إفريقيا، بعد أن وجدت نفسها محاصرة بين تقارب مغربي أمريكي قوي وغضب جزائري متصاعد.
كما أن هذه المشاورات تعكس رغبة فرنسية في التموقع مجدداً كوسيط “مقبول” من الطرفين، رغم أن الوقائع الميدانية والسياسية تؤكد أن الملف يتجه نحو الحسم لصالح المغرب بغطاء دولي متزايد.
الصحراء المغربية.. نحو مرحلة جديدة من الواقعية
مع اقتراب تصويت مجلس الأمن في 30 أكتوبر الجاري، تتزايد المؤشرات على أن المرحلة المقبلة ستكون فاصلة في مسار القضية، حيث لم تعد الأمم المتحدة تتحدث عن “تقرير المصير” بنفس المنطق القديم، بل عن “حل واقعي ودائم ومتوافق عليه”، وهي عبارة تُقرأ اليوم باعتبارها ترجمة مباشرة للرؤية المغربية.
وفي حال إقرار المسودة الأمريكية بصيغتها الحالية، فإن ذلك يعني أن الملف يدخل فعليًا مرحلة الطي النهائي، وهو ما يشكل صدمة حقيقية للنظام الجزائري الذي بنى جزءًا من شرعيته الداخلية على استمرار هذا النزاع المفتعل.
وتحاول فرنسا في هذه المرحلة الحساسة الموازنة بين مصالحها الاستراتيجية مع المغرب، وشراكتها التاريخية مع الجزائر، غير أن الوقائع على الأرض توحي بأن المعادلة القديمة تتهاوى، وأن العالم يتجه نحو تثبيت سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية كأمر واقع لا رجعة فيه.
- تم تحرير هذا المقال من قبل فريق موقع “أنا الخبر” اعتمادًا على مصادر مفتوحة، وتمت مراجعته بعناية لتقديم محتوى دقيق وموثوق.
التعاليق (1)
لقدجاا الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا