"الجزائر 24" تروج لصورة مبالغ فيها عن دور الجزائر العالمي، مُصوّرة طوابير من الزعماء تنتظر لقاء الرئيس. المقال يسخر من هذا التصوير، معتبرًا إياه بروباغندا داخلية تهدف للتغطية على التحديات الداخلية والإقليمية، وتعكس حاجة النظام لتأكيد وهمي للقوة. يختتم المقال بالتساؤل عن متى ستتحول القنوات الحكومية لمعالجة قضايا المواطنين بدلًا من "وهم العظمة".
تدور في الأوساط الإعلامية الجزائرية، وتحديداً عبر قناة “الجزائر 24” الناطقة بالفرنسية، روايةٌ جديدة تضع الجزائر في قلب الخريطة السياسية العالمية، بل تتجاوزها لتجعلها محط أنظار ووجهة قصوى لقادة وزعماء العالم.
فبحسب ما تروجه قناة “الجزائر 24 ، يعيش القصر الرئاسي في الجزائر هذه الأيام على إيقاع “غير مسبوق”. والوصف الذي قدمته القناة كان أقرب إلى مشهد سينمائي خيالي؛ حيث “تتكدّس” قاعة انتظار يومية برؤساء حكومات ووزراء خارجية وقادة جيوش من مختلف أنحاء العالم. والغرض؟ جميعهم في طوابير طويلة بانتظار لقاء “فخامة الرئيس” لطلب التعاون ونسج علاقات استراتيجية مع الجزائر.
مشهد يفوق البيت الأبيض و”الشورى” مجتمعين
يبدو أن هذا الوصف يتجاوز حدود الواقع الجغرافي والسياسي المعروف، ليصور الجزائر كمركز جذب عالمي فائق التأثير. في هذا المشهد، يتضاءل البيت الأبيض في واشنطن و10 داونينغ ستريت في لندن، ويصبح قصر المرادية هو قبلة الزعماء الأولى والأخيرة.
المشهد الذي رسمته القناة لا ينقصه سوى بعض التفاصيل ليكون مكتملاً تماماً:
- رقم انتظار إلكتروني يضيء على شاشة عملاقة في قاعة الاستقبال الفخمة.
- صوت موظف آلي يعلن بوقار: “الضيف رقم 243، تفضل… الرئيس بانتظارك!”
- صحف عالمية تنقل على صفحاتها الأولى صورة لقادة دول عظمى يتبادلون أطراف الحديث وهم ينتظرون دورهم.
بالطبع، هذه المبالغة في الوصف تثير سخرية واسعة في أوساط المتابعين. ففي الوقت الذي تعاني فيه الجزائر من تحديات داخلية واقتصادية كبيرة، وتبقى فيه علاقاتها الإقليمية والدولية محكومة بسياقات معقدة، تبدو محاولة تصويرها كقوة عظمى تستقطب طوابير الزعماء، وكأنها المركز الذي يدور حوله العالم، محاولة واضحة للتسويق السياسي والبروباغندا الداخلية.
من قاعة الانتظار إلى قاعة الواقع
لطالما اعتمد الإعلام الموجه في الجزائر على خطاب تمجيدي يهدف إلى رفع المعنويات الداخلية والتغطية على الإخفاقات عبر “وهم العظمة”. ففي الواقع العملي، تُبنى العلاقات الاستراتيجية عبر تنسيق دقيق وزيارات متبادلة ومؤتمرات منظمة، وليس عبر طوابير “متكدسة” تشبه الانتظار أمام مصلحة إدارية.
هذا الترويج المبالغ فيه لا يعكس بالضرورة قوة الدولة، بقدر ما يعكس حاجة النظام إلى تأكيد مركزه الوهمي في الساحة الدولية أمام جمهوره، في محاولة يائسة لإقناع المواطن بأن بلاده أصبحت “دولة محورية” يهرع إليها العالم طالبًا العون والتعاون الاستراتيجي. يبقى السؤال: متى ستنتقل قنوات النظام من نقل “طوابير الوهم” إلى معالجة “قضايا الواقع” التي تشغل بال المواطن الجزائري؟

التعاليق (0)